احتدم النقاش حول عملية تحرير الرقة، بين مؤيدين لأهميتها و ضرورتها، و مشككين في خلفياتها و مبرراتها. و ذلك، بعد تأكد جدية الجهود الرامية من جانب قوات «سورية ديمقراطية» على جبهة ريف الرقة الشمالي، و مشاركة قوات خاصة أمريكية، لتوجيه ضربة قاصمة لتنظيم «داعش». و بخاصة، بعد &بعد الزيارة التي قام بها الجنرال جوزيف فوتيل، قائد القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط، إلى شمال سوريا.&
مبعث الغرابة في النقاش المحتدم، ليس الصمت حيال مشاركة قوات خاصة أمريكية ( أجنبية) في العملية ، و كذلك حيال بقاء مدينة الرقة في قبضة التنظيم الإرهابي، و إنما التشكيك و الطعن في نوايا و أهداف قوات «سورية الديمقراطية» من العملية، و تحديداً «وحدات حماية الشعب» الكردية، الفصيل الرئيس في هذه القوات! من خلال اتهامات مسبقة لها، بنيتها ارتكاب عمليات تطهير عرقي و تغيير ديمغرافي في مدينة الرقة و ريفها، تمهيداً لضمها إلى الكيان الكردي الجاري تأسيسه في شمال و شمال شرق سوريا! مما أثار ذلك انطباعاً بتفضيل بقاء المدينة في قبضة التنظيم الإرهابي على تحريرها من قبل الكرد!
بداية لا بد من التوقف عند بعض المعطيات التي ترتبت عن ظهور الجماعات الإرهابية و تغوّلها على الأرض السورية، أهمها أن الأزمة السورية لم تعد تقتصر على طرفي الصراع الأساسيين، النظام و المعارضة، و إنما بات إرهاب تنظيم «داعش » و أخواتها من باقي المجموعات المتطرفة الأخرى أحد ملامحها الأساسية. بدليل، أنه مع كل جولة مفاوضات بين النظام و المعارضة كان الخلاف الأساسي يدور حول ملف الإرهاب و أهمية إعطاءه الأولوية في جدول الأعمال. زد على ذلك، أن المبلغ الذي وصل إليه إرهاب «داعش» و غيره من تهديد على السيادة و وحدة الأرض و مستقبل التعايش بين الجماعات الأهلية، بات يشكل تهديداً حقيقياً لسورية و جوارها، و مصدراً إضافياً لتفاقم أحوال السوريين و مآسيهم. فضلاً عن أنه أصبح منصة للتدخل في الشأن السوري و التأثير على مجريات أحداثه، بما لا يتقاطع مع مصالح الشعب السوري و تطلعاته في الحرية. &
و عليه، من المتوقع أن تسفرعن معركة تحرير مدينة الرقة من براثن «داعش» جملة من الإيجابيات و المحاسن، منها:
&أولاً، &اظهار قدرة القوى السورية على التخلص من «داعش» بنفسها، رغم المساعدة العسكرية التي تتلقاها من التحالف الغربي، بعد أن انتهت برامج تدريب و تسليح بعض المجموعات السورية في السابق إلى الفشل. وعليه، سيكون من شأن الانتصار على «داعش»، أن يعزّزمن موقع الشخصيات و الجماعات السورية المعتدلة، و أن تدفع أخرى إلى الإنفكاك عن باقي الجماعات المتطرفة كجبهة النصرة و غيرها، و بخاصة، في ظل رفض المجتمع الدولي التعامل معها، و استثنائها من أي ترتيبات سياسية أو هدن إنسانية.&
& ثانياً، اخراج ملف الارهاب من معادلة الصراع السوري، الذي طالما تحجج به النظام السوري و حليفته إيران و الميليشيات الطائفية، للنيل عسكرياً من المعارضة السورية، و التهرب سياسياً من استحقاقات الحل السياسي على طاولة المفاوضات، بالإستفادة من أجواء الخوف و الرعب التي خلقتها تنظيم « داعش » في أكثر من عاصمة أوروبية. &
&ثالثاً، مكافحة الإرهاب الداعشي و باقي الجماعات المتطرفة، لاحقاً، ستحرم القوى الاقليمية من وسائل و آدوات العبث في الشأن السوري من خلال دعم الجماعات المتطرفة على حساب المعارضة السورية المعتدلة، وستجد نفسها مضطرة للتجاوب مع مساعي ايجاد حل سياسي و مخرج للأزمة السورية. &
&و رابعاً و ليس أخيراً، &تحرير الرقة و بعدها باقي المناطق و المدن السورية الأخرى من الإرهاب سيعيد الأمل لدى السوريين بإمكانية العودة الى ديارهم و المساهمة في إعادة أعماره من جديد، في ظل عملية سياسية تنهي معاناتهم. &
أما من جهة المحاذير، فثمة قلق من مخاطر النفخ في رماد الخلاف العربي ـ الكردي، على خلفية اشتراك «وحدات حماية الشعب» الكردية، كفصيل أساس في قوات «سورية ديمقراطية»، في عملية تحرير الرقة، و إثارة حالة من الخوف و الرعب لدى المواطنين في المدينة و محيطها، من احتمالات تعرضهم لانتهاكات و اعتداءات، بحجة و ذريعة أن القوات الكردية سبقت أن ارتكبت مجازر و عمليات تطهير عرقي بحق مواطنين عرب في مناطق ريف الحسكة و تل أبيض و ريف حلب الشمالي! و هو ما قد يؤدي إلى دق إسفينٍ آخرٍ في العلاقة المضطربة، أصلاً، بين العرب و الكرد في سوريا.
&و إذا ما صحت المعلومات التي تتحدث عن انضمام مئات من أهالي الرقة الى «داعش»، لمنع سقوط المدينة في يد قوات « سورية ديمقراطية »، فهذا يعني ضرورة أن تأخذ القوة المهاجمة جانب الحيطة و الحذر من محاولات ارتكاب أعمال إنتقامية تجاه الموالين ل «داعش» من أبناء المدينة، و تحرص على عدم وقوع ضحايا بين المدنيين، و أخذ حساسية قاطني المدينة تجاه الغرباء بعين الاعتبار، من خلال ترك إدارة شؤونها لسكانها، مع تحمل مسؤولية الدفاع عن جغرافيتها عسكرياً من محاولات متوقعة من جانب التنظيم الإرهابي لإستعادتها.&
يبقى أن لا ننسى أن ثمة هواجس لدى الكُرد أيضاً، و مردّها تساؤلات تتعلق بمبررات التورط في عملية صعبة و خطيرة من هذا القبيل، قد تكلفهم أثماناً و أكلافاً باهظة في الأرواح، و تجر عليهم حنق و غضب العرب في سوريا، خصوصاً و أنها تجري في أجواء تشهد فيها العلاقة العربية ـ الكردية أصعب و أسوأ فتراتها، على خلفية استمرار الموقف السلبي للمعارضة السورية من المطالب القومية للكرد، و حقهم في إدارة مناطقهم في إطار إقليم فيدرالي. فهناك من الكُرد من يسأل : لماذا علينا الذهاب إلى الجحيم في الرقة، و نحن الذين كنا و ما نزال نتعرض إليه يومياً على يد فصائل المعارضة الإسلامية، عبر &قصف مناطقنا و إطباق الحصار عليها و فرض الجوع و النزوح على مواطنينا.&
و عليه، &و رغم أن مكافحة الإرهاب، و القضاء على داعش في سوريا و العراق، بصفة خاصة، بات خياراً اجبارياً و ليس اختيارياً، في ظل التهديدات التي يشكلها للجميع، لا يسعنا إلا القول : " وعسى أن تكرهوا شيئاً و هو خير لكم". &
كاتب كردي سوري & & & &
&
التعليقات