&يعيش العرب والأكراد في ظل التجاذبات التي تعصف بمحيط الشرق الأوسط حالياً واحدة من أدق وأخطر الفترات التأريخية التي مرت على مجتمعاتهم، ليس فقط منذ عقود، لا بل وربما منذ قرون. ولتجاوز هذه المرحلة والخروج منها بأقل الخسائر، لا بل وربما مع بعض المكاسب على المدى البعيد، يتطلب الأمر منهم قليلاً من الفهم والوعي والذاكرة الحية، لكن هذه الأمور للأسف باتت اليوم مفقودة في مجتمعاتهم التي غزاها فايروس التديّن، الذي خَدّر عقولها فلم تعد تفكر وتفهم، وغَيّب وعيها فبات ساذجاً وجاهلاً، ومَسَخ ذاكرتها فباتت مَكباًّ لنفايات أحداث التأريخ وقصصه المفبركة وأحاديثه الموضوعة. وفي حال لم يفهم الطرفان نُخباً وعَوام حراجة وضعهم الحالي، ولم يقرئوا حيثيات التأريخ بعِلمية، ويدرسوا معطيات الواقع بموضوعية، ويتعاملوا مع الأحداث والمتغيرات بذكاء وبراغماتية، فقد ينتهي بهم الأمر الى حال أسوء من الذي كانوا عليه قبل 100 عام!&
ينبغي أن يفهم الأكراد والعرب بأن خلاصهم في توحدهم بوجه الأطماع الفارسية والتركية التي تحيطهم من كل جانب، والتي سواء إلتقت أو تقاطعت فإنها بالنهاية بالضد مِن مصالحهم بل وعلى حسابها، والتي تحاول إبتلاعهم وإلغائهم من الوجود منذ قرون، وهي لم تنفك عن فعل ذلك حتى اللحظة، ولن تفعل حتى تَمحي بلدانهم وأقاليمهم من الخرائط وتعيدهم رعايا أذلاء لإمبراطورياتها التي تبنيها بجد دون أن يثنيها دين أو مذهب عن فعل ذلك كما هو حال العرب والأكراد، بل هي تسخر الدين والمذاهب بذكاء لإستغلالهم والتلاعب بمشاعرهم الساذجة وتحريضهم للإقتتال فيما بينهم وتدمير بلدانهم بأيديهم.
متى يَعي العرب بأنه ليس هنالك من هو أحَن عليهم مِن الأكراد! ومتى يَعي الأكراد بأنه ليس هنالك مِن هو أحَن عليهم من العرب! ومتى يعي الإثنان بأن لا البهلوان أردوغان يشتريهم بعانة، ولا خامنئي الدجال يشتريهم بزبانة، وبأن الإثنان يستغفلون سذاجتهم ويتلاعبون بمشاعرهم ويضحكون على جهلهم!
متى يتذكر الأكراد بأن القومية الوحيدة التي تقَبّلَت إندماجهم في بلدانها، مع المحافظة على خصوصيتهم الثقافية بالملبس واللغة والعادات، هم العرب، في حين حاولت القوميتان الأخريَتان طمس هويتهم بتفريسهم أو تتريكهم! ومتى يتذكر العرب بأن القومية الوحيدة التي حينما دخلت الإسلام ذو الصبغة العربية ذابت فيه، ولم تسخِّره لإحياء إمبراطورياتها السابقة كالفرس، أو بناء إمبراطورياتها اللاحِقة كالعثمانيين، هم الأكراد، بدليل صلاح الدين والدولة الأيوبية! ومتى يتذكر الإثنان بأنهما حينما تَوَحّدا يوماً حَرّرا أوطانهم من الإحتلال المغولي، وخلّصا القدس من الحملات الصليبية!
متى!… ومتى!!… ومتى؟
بعض القيادات الكوردية، وكذلك العربية، وتحديداً الخليجية منها، بدأت تَعي وتفهم هذه المسالة، وأخَذَت توحد جهودها بهذا الإتجاه شيئاً فشيئاً، لكنها طبعاً عاجزة عن المضي فيه بسبب جهل القواعد من النخب السياسية والثقافية والمجتمعية.
قد يفكر أو يحاول البعض الإصطياد بالماء العكِر، لذا إقتضى التنويه الى إن فكرة المقال تعبر عن وجهة نظر تنطلق من منظور سياسي وجغرافي وتأريخي بحت، ولا علاقة لها بالمجتمعات والقوميات المقصودة كشخوص وأفراد، لكوني أقدر الحضارة الفارسية والشخصية التركية ومعجب بهما، وهما عملياً أكثر وضوحاً في أهدافهما، وذكائاً في تخطيطهما، وديناميكية وبراغماتية في حركتهما، من المجتمعات العربية والكوردية، الغارقة والمضيعة المشيتين حتى الآن بين الأحلام القومية الخيالية والخزعبلات الدينية الهستيرية، والتي لا تعرف مصلحتها، وماذا تريد، والى أي هاوية وفناء تمضي!
&
التعليقات