خلال سنوات الحرب السورية، (حزب الاتحاد الديمقراطي - pyd) نجح في رسم ملامح "دويلة كردية " في المناطق الشمالية الشرقية من سوريا، على أمل ان تمتد الى البحر الأبيض المتوسط. بيد أن سرعان ما تلقى مشروع "الدويلة الكردية" ضربة قوية، باحتلال الأتراك لـ(عفرين)، ذات الغالبية الكردية، في آذار 2018. احتلال (عفرين)، فتح شهية، الرئيس العثماني (رجب طيب اردوغان) لابتلاع كامل المناطق السورية، الخاضعة لسيطرة المسلحين الأكراد، حتى الحدود العراقية. في التاسع من شهر تشرين الأول الجاري، قام الجيش التركي، بمشاركة مرتزقته من فصائل المعارضة السورية، بعلمية عسكرية داخل الاراضي السورية في منطقة (راس العين و تل ابيض )، لتطهير (المنطقة الحدودية) ممن تصفهم حكومة اردوغان بـ"المجموعات الارهابية - قوات حماية الشعب الكردية - الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي" واقامة "منطقة آمنة" لتوطين فيها ملايين اللاجئين السوريين المتواجدين على الاراضي التركية. اردوغان ما كان ليقوم بهذا (العدوان السافر)، ما لم يحصل على (ضوء أخضر) من الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) ،الذي أمر بسحب (القوات الأمريكية) من منطقة المواجهات، وترك شركاء أمريكا في الحرب على داعش، (قوات سوريا الديمقراطية- قسد)، التي تشكل القوات الكردية عمادها الأساسي، من غير حماية، لتلاقي مصيرها على ايدي الجيش التركي ( المحمدي)، التعبير الذي استخدمه أروغان نفسه.

العملية العسكرية التركية، دفعت (قوات حماية الشعب) الكردية، للتوقيع (مذكرة تفاهم) مع النظام السوري، برعاية روسية. تضمنت "موافقة قوات سوريا الديمقراطية قسد على دخول قوات الجيش العربي السوري وبسط سيطرته على كامل المنطقة ابتداء من عين ديوار شرقاً وحتى جرابلس غرباً". هذا يعني عودة (الوضع العسكري) في الجزيرة السورية الى ما كان عليه قبل آذار 2011.( عودة الاراضي والمعابر و حقول النفط والغاز والثروة الزراعية الى الدولة السورية). تعقيباً على (مذكرة التفاهم) هذه، أعقب (مظلوم عبدي)، القائد العام لما يسمى بـ "قوات سوريا الديمقراطية - قسد" بالقول "نحن نعلم انه سيتعين علينا ان نقدم تنازلات مؤلمة مع موسكو والأسد. ولكن إذا كان علينا ان نختار بين الحلول التوفيقية والإبادة الجماعية لشعبنا ، فإننا بالتأكيد سنختار الحياة لشعبنا". القائد الكردي (مظلوم عبدي)، اراد انقاذ ما يمكن إنقاذه مما حققه حزبه(البيدا) من مكاسب على الارض، خلال سنوات الحرب ،ولتجنيب بقية المدن والبلدات الحدودية، حيث (التجمعات الكردية)، مصير (عفرين ).

الأكراد السوريين، بعد (الدعم العسكري) الكبير، الذي تلقوه من الأمريكان في اطار الحرب على التنظيم الارهابي (دولة الخلافة الاسلامية في العراق والشام- داعش)، تأملوا وانتظروا (دعماً سياسياً) ، من الامريكان وحلفائهم الغربيين، لتطلعاتهم القومية في سوريا. لكنهم تفاجأوا ، بـ"طعنهم في الظهر" وفق توصيفهم لتخلي ترامب عنهم. بعد أيام قليلة من التوافق (السوري – الكردي ) ، جرى اتفاق ( تركي- امريكي) على "تعليق العمليات العسكرية التركية في منطقة شرق الفرات". هذا الاتفاق، يعطي لأردوغان أكثر مما كان يريده من حربه العدوانية. فوفق ، البيان (التركي – الأمريكي) المشترك ، الاتفاق يقضي " بإخلاء الشريط الحدودي بعمق 30 كم من المسلحين الأكراد" . إنشاء "منطقةآمنة" تديرها وتشرف عليها القوات التركية، على أن تضمن "الأمن القومي"لتركيا . "إعادة جمع الأسلحة الثقيلة من وحدات حماية الشعب الكردي وتدمير تحصيناتهم وجميع مواقع القتال الأخرى" .

التحولات الدراماتيكية (العسكرية والسياسية) في المشهد السوري، شكلت (خيبة أمل) جديدة وكبيرة لأكراد سوريا وأكراد المنطقة عموماً. لا بل، هذه التحولات ، وضعت (نهاية للحلم القومي) لأكراد سوريا. لا نقول هذا (تشفياً ), وإنما هو (حقيقة)، على الساسة الكورد الاعتراف بها. وفق ما أرى، (خيبات الأمل) التي يحصدها وحصدها الكورد على مر التاريخ، سببها الاساسي، عدم واقعيتهم السياسية، ومقارباتهم الخاطئة لقضيتهم وقضايا الأوطان التي يعيشون فيها. الأكراد، تقودهم (العاطفة/ الحماسة القومية)، التي كثيراً ما تنسيهم التحديات والعقبات (الجيوسياسية) التي تحيط بهم وتحاصرهم من كل الجهات و تعترض تطلعاتهم و تبدد أحلامهم، كلما اقتربوا من تحقيقها. أكراد العراق قادتهم (الحماسة القومية) الى إجراء (استفتاء على الانفصال) عن العراق واعلان دولتهم. خطوتهم الانفصالية، قُبلت بردة فعل قوية من بغداد ودول الجوار، فكانت النتيجة خسارتهم لـ(كركوك) ومناطق أخرى متنازع عليها،كانت تحت سيطرتهم. الأكراد السوريين ، طابت لهم (البروباغندا) الاعلامية، التي اثيرت حول قضيتهم والمبالغة بوزنهم السياسي والعسكري في المعادلة السورية . ذهبوا بعيداً في مطالبهم وتطلعاتهم القومية والسياسية. رغم رفض السوريين(موالاة ومعارضة)- من غير الكورد- رفعوا سقف مطالبهم الى "الفدرالية"، لما يزعمونه بـ "كردستان سوريا أو كردستان الغربية"، جاهلين أو متجاهلين، بان (سوريا ) ليست (العراق) ، و(الشمال الشرق السوري) ليس (الشمال العراقي).