يعد الحق في الصحة من الحقوق الاساسية للإنسان وتلتزم الدول بوجوب توفير اعلى مستوى من الصحة للمواطنين فيها.
ولإعمال هذا الحق فلابد من اتباع سياسات صحية ووضع الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الانسان والتي تتضمن الحق في الصحة، موضع التنفيذ في الدول الاطراف، من خلال تشريعات وطنية مواءمة للتشريعات الدولية.
وقد عني القانون الدولي لحقوق الانسان بالحق في الصحة واهتم بها اهتماما واضحا وصريحا، اذ تضمنت الشرعة الدولية الاشارة لهذا الحق فالمادة (25) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على أن: لكل شخص حق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية.
اما المادة (12) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966 فقد اشارت الى هذا الحق اذ نصت" تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه".
فضلا عن ذلك فقد عالجت الكثير من الاتفاقيات الخاصة بالمرأة ١٩٧٩ والطفل١٩٨٩ ذلك الحق بشكل واضح يتناسب وخصوصية واهمية هذا الحق في نطاق القانون الدولي.
ونجد اليوم ان هذا الحق معرض للخطر ويحدق به الوباء في مختلف انحاء العالم ولم يقتصر على منطقة او مدينة او دولة بعينها بل هو في تزايد سريع ما دعى الدول الى اتخاذ الاجراءات اللازمة كحظر التجوال او اعلان الطوارئ ومنع السفر والتنقل وتقييد حريات الافراد بما يتناسب وحجم الخطر المحدق بهم.
ومن هذا المنطلق كان لمنظمة الصحة الدولية ان تعمل وبالتعاون مع الدول الاعضاء من خلال اجراءات احترازية او علاجية وتبادل المعلومات والبيانات وتحديثها للوصول الى الغاية الاساسية في القضاء على الفيروس. وخصوصا وأنها تعمل بموجب اللوائح الصحية الدولية التي تم اعتمادها والية عملها بعد اعلان حالة الطوارئ الدولية.
- ك اللوائح الصحية الدولية(2005)
لاشك ان فيروس كورونا يعد اليوم الشغل الشاغل لدى الدول والمنظمات الدولية عموما ومنظمة الصحة العالمية بشكل خاص، اذ بعد انتشار هذا الوباء من الصين وتحديدا مدينة ووهان التي ظهر فيها وانتشر منها الى العديد من دول العالم، واصبح مثيرا للقلق خصوصا مع تزايد حالات الاصابات والوفيات والتقدم المستمر في الارقام المصابة، فان هذا يستشعر الدول جميعا والمنظمة بالمسؤولية تجاه العالم.
وتعد منظمة الصحة العالمية المنظمة الدولية المختصة بالمجال الصحي وهي تابعة لمنظمة الأمم المتحدة . بدأت العمل حين دخل دستورها حيز النفاذ في عام 1948 إذ تم تحديد مسؤولية المنظمة لمكافحة الامراض والاوبئة ، وفي العام 1951 تم تبني القواعد التنظيميةIHR لتوفير قاعدة قانونية لاطار عمل المنظمة، والوقاية من الامراض الوبائية، وفي عام 2005 تم اعتماد قواعد تنظيمية صحية يطلق عليها اللوائح الصحية الدولية (2005) بوصفها أطارا قانونيا للإبلاغ عن الامراض الوبائية.
وتعرف اللوائح بانها: "صك قانوني دولي ملزم من اجل مساعدة الدول للحد من الانتشار على الصعيد الدولي وقد بدأ نفاذ هذه اللوائح في تموز 2007 اذ وضعت من اجل حماية جميع الدول من اثار الامراض على الصعيد الدولي بما في ذلك المخاطر والطوارئ الصحية العمومية".
وعلى خلاف القواعد التي وضعت عام 1969 الخاصة بالمنظمة والتي كانت مقتصرة على الامراض المعدية كالإنفلونزا والحمى الصفراء والطاعون، فان للوائح عام 2005 كانت أكثر اتساعا اذ ركزت على جميع المخاطر الصحية عموما التي قد تنتشر عبر الحدود الدولية ولهذا فهي تشمل اي مرض أو وباء بشكل مطلق .. وينطبق هذا الوصف على فيروس كورونا المستجد.
ومن خلال هذه اللوائح اتفقت الدول الاطراف على تعزيز قدرتها في الكشف عن أحداث الصحة العمومية وتقييمها والتبليغ عنها. وتتولى منظمة الصحة العالمية دور التنسيق في اللوائح الصحية الدولية.
التعاون الدولي بعد اعلان حالة الطوارئ الدولية:
ان أي مرض لا يمكن تصنيفه وباء الا اذا وصل حدا معينا من الخطورة ليشكل اساسا لتدخل منظمة الصحة العامة وبمساعدة الدول لتوفير الحماية كما يحصل اليوم في فيروس كورونا المستجد اذ صنف على انه وباء او جائحة عالمية، حين اعلن مدير عام المنظمة تيدروس ادهانوم بان "فيروس كورونا يعد جائحة عالمية او وباء عالميا".
وتعرف حالة الطوارئ حسب اللوائح الصحية لعام 2005 "طارئة صحية عمومية تسبب قلقا دوليا بانها حدث استثنائي كما هو منصوص عليه في اللوائح يشكل خطرا محتملا يحدق بالصحة العمومية في الدول الاخرى وذلك بسبب انتشار المرض دوليا وانه قد يقتضي استجابة دولية".
ومن هنا يمكن طروح التساؤل ماهي الشروط الواجب توفرها لإعلان الطوارئ وفق التعريف اعلاه، للإجابة نقول ان شروط التعريف تتضمن الاتي:
اولا: حدث غير عادي وهذا متحقق فعلا وفق تكييف مدير المنظمة العام بانه وباء عالمي.
ثانيا: يشكل خطرا على الصحة العامة: اذ لا يكفي ان يكون حدثا غير عادي بل لابد ان يتزامن هذا الحدث غير العادي مع تأثيره على الصحة العامة أي تهديده لحق الانسان في الصحة.
ثالثا: انتشار المرض دوليا: يجب ان يكون هذا المرض قد انتشر على نطاق واسع وكبير بين دول العالم مما يتطلب مكافحته ومواجهته بشكل واضح ومحدد.
رابعا: يتطلب استجابة دولية من خلال جهود الحكومات الوطنية والمنظمات العامة والمتخصصة وايجاد السبل الكفيلة بالقضاء على هذا الحدث غير العادي.
ونظرا لتحقق الشروط اعلاه فقد اعلنت منظمة الصحة العامة (حالة الطوارئ الدولية) عبر لجنة مختصة يطلق عليها لجنة الطوارئ او(Emergency Committee) وهذا يعني ان الحق في الصحة معرض للخطر وان حماية هذا الحق واعمال النصوص المعنية بالحماية تتطلب تعاونا بين منظمة الصحة العالمية والدول في توفير مستلزمات هذه الحماية، كذلك يتطلب التعاون بين الدول من خلال تنفيذ الدول للوائح الصحية وتقديم المعلومات حول المرض ومدى سعته وانتشاره في الدول واليات معالجته وغيرها من الاجراءات الوقائية والعلاجية معا، وتستطيع منظمة الصحة العالمية مراجعة تدابير الصحة العامة التي اتخذتها مختلف البلدان لضمان أوضاعها الصحية.
وقد وضعت منظمة الصحة العالمية سبع محددات لغرض محاربة وباء كورونا ومنع انتشاره وهي تدابير تختص بالسفر والتبادل التجاري كذلك دعم البلدان التي لديها نظم صحية ضعيفة والتسريع بتطوير اللقاحات والتشخيص والتصدي لانتشار الاشاعات والانباء المغلوطة وتحديد الخطط والموارد اللازمة لتحديد وعزل الاشخاص المصابين ومنع انتشار المرض وتبادل البيانات والتجارب بين الدول ومنظمة الصحة العالمية فضلا عن ضرورة قيام الدول بالعمل بروح التضامن لمواجهة الوباء والقضاء عليه.
فضلا عن تلك الاجراءات فقد عملت بعض الدول على اعلان حالة الطوارئ ومنها ما عمدت الى حالة فرض حظر للتجوال فيها وتقييد حركة التنقل للأشخاص، من شأنه تقليل انتشار المرض وعدم تزايده، والعمل على احتوائه للوصول الى القضاء عليه، بوصفه وباءا عالميا، ينتقل بشكل سريع ومؤثر وقد يودي بحياة الاشخاص.
ان اعلان حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقا دوليا هي حالة استثنائية تنتهي بزوال الاسباب التي ادت الى اعلانها ومن ثم فهي اجراءات احترازية من جانب منظمة الصحة العالمية وما استتبعها من اجراءات تتصل بها وكذلك تعاون الدول في اعلان مثيل لها داخل حدودها او تعزيز من الاجراءات الوقائية كحظر التجوال وحظر التنقل ومنع السفر وقطع الاتصال بين مدن ومحافظات الدولة الواحدة وتوقف التعليم وتعطيل الدوام الرسمي، وغيرها من الاجراءات انما هي تهدف الى غاية واحدة حماية وتعزيز حق الانسان في صحته.
التعليقات