يوجين روغان أستاذ أمريكي مرموق في جامعة "أكسفورد " في بريطانيا. وهو معتزّ بأن يكون "حفيدا "للمؤرّخ اللّبناني ألبرت حوراني الذي كتب الكثير عن تاريخ العرب المعاصر. وقبل سنوات أصدر كتابا مهما بعنوان:" العرب-لمحة تاريخية، وهو عن تاريخ العرب من عام 1500 وحتى الفترة الرّاهنة. ويشير روغان إلى أن هذا الكتاب هو ثمرة تجربة طويلة عكستها رحلاته الدراسية والاستطلاعية عبر العديد من البلدان العربية. فقد أقام في مصر ليعيش مع عائلة مصرية زيارة الرئيس السادات إلى إسرائيل في شتاء عام1978. وكان في بيروت خلال الحرب الأهلية اللبنانية. كما أنه كان شاهدا على العديد من الأحداث السياسية والثقافية والاجتماعية في منطقة الخليج...

وقد انشغل يوجين روغان بتأليف كتابه الآنف الّذكر منذ فترة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش التي شهدت احتدام الصّراع بين الغرب، والشرق بسبب حرب العراق، وأفغانستان، مختارا المصادر العربيّة، ومفضّلا إيّاها على المصادر الغربيّة لتقديم قراءة " من الدّاخل " لتاريخ العرب. ويقرأ الكتاب بمتعة كبيرة لما يتوفّر فيه من متعة القصّ، وبراعة التحليل، وسلاسة اللغة، ومهارة الأسلوب. ويرى يوجين أورغان أن العرب في الخمسينات والستّينات من القرن الماضي، مروا بفترة حماس كبيرة. فقد كانوا ينتظرون أن يحقّقوا بأنفسهم، ومع زعمائهم أحلاما كثيرة. وفي نهاية الحقبة الإستعماريّة كانوا يأملون في أن يتمكّنوا من أن يجدوا لأنفسهم مكانة بين الدول القويّة، والكبيرة. غير أن الأحداث سوف تتدرّج من سيّء إلى أسوأ. وكان وجود ما كان يسمّى بالإتحاد السوفياتي كقوّة تقلّص من نفوذ الغرب المكروه جدّا يسمح لهم بأن يأملوا في نوع من البديل الممكن. غير أن انهيار جدار برلين تركهم "يتامى، ومن دون أمل". ويضيف روغان قائلا: ”عندما يكون هدفنا كتابة تاريخ شعب مّا عبر خمسة قرون، وعلى امتداد قارّات ثلاث، فإنّه يتعيّن علينا أن نوفّر تركيبة، ونقاطا مرجعيّة. بالنسبة لي، من بين الأشياء التي يتميّز بها التاريخ المعاصر للعرب هي أنه انطلاقا من الإحتلال العثماني، وجد العرب أنفسهم مجبرين على أن يعيشوا قواعد اللّعبة التي يختارها الآخرون، ويبتكرونها. انطلاقا من هذا، اخترت أربع حقب باعتبار المكان الذي يكون فيه مركز السّلطة. أن يصبح العثمانيّون أسياد المناطق العربيّة في تلك الفترة، ماذا يعني ذلك؟ ويمكننا أن نجيب أن الأمر يتعلّق باستبدال امبراطوريّة المماليك السنيّة بامبراطوريّة تركيّة. في حدّ ذاته لم يكن يعني ذلك تحوّلا ثقافيّا كبيرا. إلاّ أنه يمكننا القول أنه لأوّل مرّة في تاريخهم، يُحكم العرب انطلاقا من عاصمة أجنبيّة، والتي هي الأستانة، وليس من قبل دمشق، أو بغداد، أو القاهرة".

ويرى يوجين روغان أن الأحداث تتوالى عبر القرون، والتّجاذبات ظهرت في بدايات القرن العشرين. والعرب قرّروا أن يصبحوا أسياد أنفسهم سواء من خلال مشروع دولة فيديراليّة، أو من خلال الإستقلال. لكن مع نهاية الحرب الكونيّة الأولى، عوض أن ينشئ العرب أنظمة خاصّة بهم، أصبحوا تحت السّيطرة الإستعماريّة فتغيّرت عندئذ مراكز القرار لتبتعد باتّجاه لندن وباريس.

وعن ثورات ما أصبح يسمّى ب"الرّبيع العربي"، يقول روغان بإنه لا أحد كان ينتظر من ثورات كهذه تحوّلا سهلا. فكما هو معلوم، الثورات غالبا ما تكون غير متوقّعة، ومتغيّرة، ودمويّة. واليوم نجد الناس حزانى، ويائسين. فقد كانوا ينتظرون أن تحدث أشياء كبيرة، غير أنهم وجدوا أنفسهم يرتدون الى الماضي، ويخسرون ما كانوا قد حصلوا عليه في ظلّ الأنظمة المنهارة. ويعتقد يوجين روغان أن النّجاح الذي حقّقه الإخوان المسلمون يفسّر بأنهم كانوا التّنظيم السياسيّ الأشدّ صلابة من النّاحية التّنظيميّة، والأكثر ثراء إذ أنه علينا ألاّ نغفل عن التأثير المالي في كلّ هذا... مع ذلك لا يخفي روغان تفاءله. فاللّعبة لم تنته بعد. وتحقيق الحد الأدنى من الديمقراطية في عالم عربيّ تعودت شعوبه منذ قرون مديدة على العيش في ظلّ الطغيان والإستبداد يتطلب تضحيات جسيمة، وجهودا عسيرة ومضنية.