بات واضحا أن حركة النهضة الإسلامية استغلت وتستغل جائحة الكورونا لتُحكم قبضتها على مفاصل الدولة، وتبسط نفوذها على البلاد والعباد. فرغم أنها لم تفز بالأغلبية في الانتخابات الأخيرة التي انتظمت في الأشهر الأخيرة من العام الماضي، ورغم سقوط الحكومة التي اقترحتها في أول السنة الحالية، فإنها حظيت بأكثر مما كانت تأمل فيه، وتطمح إليه.

رئيس النهضة أصبح رئيسا للبرلمان، مُحيطا نفسه بالأفياء له، ومعينا واحدا منهم مستشارا له برتبة وزير.

وفي حكومة الياس الفخفاخ الذي فرضه رئيس الجمهورية قيس سعيد رغم الفشل الذريع الذي مني به حزبه في الانتخابات التشريعية، حصلت حركة النهضة على أغلب المقاعد الوزارية. ولم تكتف بذلك، بل وجدت في شخصية الياس الفخفاخ الضعيف والمتذبذب ما يدفعها على طلب المزيد. فما كان من هذا الأخير إلاّ أن استجاب فورا لمطالبها مُعينا مستشارين له من أنصارها برتبة وزراء، متجاهلا الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد خصوصا في هذه الفترة العصيبة التي باتت فيها مهددة بالإفلاس. وعائدا إلى وزارة الصحة التي أدارها بشكل سيء في حكومة الترويكا التي جاءت إلى السلطة بعد انتخابات خريف2011، والتي فازت فيها النهضة بأغلبية المقاعد، عوّض عبد اللطيف المكي، وهو من الصقور، شكري حمودة الذي كان مديرا عاما للرعاية الصحية، بواحد من صقور النهضة عرف بتطرفه. ولإخفاء أمره، سارع هذا الأخير بمسح تدويناته من الفيسبوك، والتي يحرض فيها على العنف، ويلعن فيها" الكافرين اعداء النهضة". ورادا على الذين انتقدوا هذا التعيين خصوصا وأنّ الذي عوّض شكري حمودة لا علاقة له بالطب لا من قريب ولا من بعيد، اكتفى عبد اللطيف المكي المشكوك في كفاءته هو أيضا، بإطلاق تصريحات تعكس سوء نواياه.

وينتظر أن تواصل النهضة بينما وباء الكورونا، يحصد الأرواح ألاعيبها بهدف السيطرة المطلقة على الدولة بحسب طرق وأساليب الأحزاب الفاشية والأحادية وذلك من خلال تنصيب أنصارها على رأس المؤسسات الكبرى، وأيضا في مراكز الولايات والمعتمديات والبلديات، وغير ذلك لضمان بقائها في السلطة إلى أمد طويل. وما يشجعها على الاندفاع في هذا المسار هو أن جل الأحزاب متواطئة معها طمعا في نيل حصتها من الكعكة. وحده الحزب الدستوري الحر يمتلك الشجاعة والقدرة على مواجهة النهضة. وتقوم السيدة عبير موسي، زعيمة هذا الحزب الذي يستمد أطروحاته وأفكاره من الزعيم الحبيب بورقيبة، بفضح ألاعيب النهضة.

وفي المقابل تقوم هذه الأخيرة بحبك مؤامرات ودسائس ضدها ، محرضة أنصارها، وأيضا المتحالفين معها من أحزاب أخرى ، بالتهجم عليها بطرق دنيئة وبذيئة تعكس انحطاطا أخلاقيا وسياسيا لم يسبق له مثيل. وكان السيد عبد الجلاصي على حق عندما قال قبل أن يستقيل منها بإن حركة النهضة "تتعامل مع الدولة التونسية بمنطق الغنيمة".