نسمع يومياً خمس مرات المنادي ينادي «حي على الفلاح» مع كل آذان صلاة، لكن مشكلتنا مع اللغة أننا أصبحنا في أحيانٍ كثيرة نمارس ما يسمى بالعمى المألوف، و هو أننا نرى الأشياء و لا نراها، نعرفها ولا نؤمن بها، نؤمن بها و لا نمارسها. و لكن القليل جداً منا يعي معنى الفلاح، فالفلاح في اللغة يعني العمل المثمر، الصالح، و الصائب، و الناجح، وهو قرين للصلاة ومعطوف عليها.
لقد ربط الإسلام العبادة بالإيمان و العمل الصالح معا في كثير من المواضع في الآيات القرآنية و الاحاديث النبويه . يقول المثل "ثبت العرش ثم انقش" و نسمع كثرة الاستدلال بهذا المثل مقالا و عدم العمل به حالاََ. فالفلاح وهو عكس القول و الخطابة بل هو عمل و مضمون و ليس شكلاً.
وهذا تماماً ما يخلص إليه كتاب نزل مؤخراً في الغرب للكاتب اين مورس عنوانه (Why the West Rules لماذا يحكم الغرب). او ( لهذا السبب يحكم الغرب ).يخلص الكاتب إلى أن الأشياء في الغرب تحدث حقيقةً، و ليس فقط شكلاً وقولاً، فمثلاً عندما يتحدث الغرب عن حقوق الانسان أو عن حقوق الحيوان، فإنك فعلاً تجد هذه الحقوق على الأرض. وهذا ما أسماه: القدرة على حدوث الأشياء.
the capacity of making things happen
طبعا هذا ليس بالمطلق فالغرب به من الخلل ما تشيب له الولدان و لكن الفرق ربما انهم لا يخفونه و يصلحونه احيانا. بينما عندنا نحن أهل الشرق في كثير من الأحيان القول لا يوازي الفعل، فتجد من يتحدّث عن حقوق المرأة و زوجته و ابنته لا تعملان،
و نجد خطيب مسجد و لكنه لا يتحدث مع جاره ، و أحياناً يعيش في قطيعة مع أخيه، و تجد شيخ دين يحض علي القتل بين المسلمين بدل من الدعوة للحفاظ علي دماء المسلمين و السلم الاجتماعي بل نعرف عائلات معروفة بأنها متدينة، ولكنها لا تورث المرأة، و تجد موظفاً ملتحياً و يطلب رشوة. و تاجرًا يستغل حاجة الناس و يرفع الاسعار.
لن نتحدث عن السياسية و الاعيبها فهي أصبحت رديف للفساد و النفاق ، ناهيك عن الإسلام السياسي و لبس المدنس على المقدس و فتاوي القتل من قبل بعض شيوخ دين..
من جهة اخري ... يقول رئيس تحرير صحيفة «النهار» اللبنانية الكاتب غسان تويني في أول زيارة له لبيت محمد حسنين هيكل - منظر الاشتراكية في عهد عبدالناصر - في القاهرة وهي فيلا ديلكس على النيل، يقول : ان الرجل يعيش حياة ارستقراطية بمعنى الكلمة، و خصوصاً بحجم الخدم لديه رغم تنظيره للاشتراكية فهو يعيش النقيض.
الخلاصة، أقول ان الفلاح هو تطابق القول مع العمل والفعل، وإلا فسوف يكون كلامنا وعملنا مثل قول الشاعر:" كلامك يا هذا كفارغ فستق ليس به نوى... ولكنه طقش".
كم نحن في حاجة لفهم خطاب «حي على الفلاح»،
فإذا فهمنا أمنا، وإذا أمنا عملنا، و إذا عملنا يحصل الفلاح. إذاً (فحيّ على الفلاح) هي دعوة مستدامة للعمل المثمر الصادق المخلص.
* كاتب من ليبيا
[email protected]
التعليقات