انشغلت قبل يومين في البحث عبر شبكة الانترنت عن مقال كتبته في زاوية "أضعف الإيمان" (جريدة الحياة) في العام 2001، ترحيباً بصدور جريدة "إيلاف" على يد الزميل المثير الأستاذ عثمان العمير، تحت عنوان "إيلاف عثمان العمير"، لكني فشلت. فأنا في حال سفر، وليس عندي أصول المقالات.

كان هدفي من البحث عن المقال هو معاودة نشر مقاطع منه بالنص لسببين، الأول أن ما توقعته في ذلك المقال من "إيلاف العمير" تحقق على نحو مدهش ومثير للإعجاب والإشادة، والثاني، هو إرسال نص المقال للزميل عثمان العمير لوضعه على موقع إيلاف في شكل دائم، كما وعدني عثمان ولم يفعل. فحماسة عثمان العمير لذلك المقال سببها أنه لخص البحث القيم الذي نشره الدكتور فكثور سحاب في كتاب مهم بعنوان "إيلاف قريش... رحلة الشتاء والصيف"، وهو عبارة عن أطروحة دكتوراه، اثبت فيه سحاب، من خلال سور القرآن الكريم، ونصوص السنة المطهرة، وكتب السيرة والتاريخ، أن نظام التجارة العالمي الذي يحكم العالم اليوم، هو فكرة عربية في الأساس. فكرة قرشية. وكنت تحدثت مع الزميل عثمان عن البحث وأهميته، فوعد بنشر ملخص للكتاب تحت رسالة الناشر التي يوقعها هو شخصياً على موقع إيلاف بعنوان "يسألون ما أنت"، وقال وقتها انه سيضع مقالي مقدمة للملخص، كونه يربط "إيلاف" الجريدة بـ"إيلاف" قريش التاريخي، فضلاً عن أن يترجم مقصد عثمان من التسمية.

لاشك في أن عثمان العمير لم يقع اختياره على اسم "إيلاف"، كاسم لأول جريدة اليكترونية يومية، لكونه مثقف وشاعري، ومعجب بالمتنبي، ومحب للشعراء الصعاليك فحسب، لكن عثمان العمير، التقط معنى "إيلاف" كصحافي متمكن من ناصية اللغة العربية ودلالاتها التاريخية والسياسية، فالإيلاف القرشي القديم، كما أثبت الدكتور فكثور سحاب، في كتابه الجميل، كان في الأصل مجموعة من العهود السياسية والتجارية، غرضها ضمان قيام قبيلة قريش بالتجارة عبر جزيرة العرب من خلال تسهيلات متفق عليها بين القبائل، لكن هذه المعاهدات تعدّت الغرض التجاري المؤقت فصارت مشروعا حضاريا وتجاريا، ودعمت العلاقات الدينية والسياسية واللغوية والاجتماعية والثقافية بين هذه القبائل العربية، فضمن "إيلاف قريش" انسياب العلاقات بين القبائل في سياق الصراع الدولي بين القوى الكبرى، وبخاصة دولة الساسانيين الفارسية والدولة البيزنطية الرومانية، وتسيير التجارة الدولية على هذه الطرق بتحييد القوانين والخلافات، وتحول إيلاف قريش إلى مشروع لتوحيد لغة القبائل العربية وأسواقها، من خلال إقامة المناسبات التجارية والثقافية التي عرفت بأسماء عدة، كان أشهرها سوق عكاظ. فسوق عكاظ في وقته لا يختلف كثيراً عن منتدى "دافوس" اليوم، بل ربما كان أكثر شمولية منه، فعكاظ كان مناسبة لتبادل الأفكار والسلع في آن، إنها الفكرة ذاتها أو أكثر، وأقول بكل ثقة أن "دافوس" اقل إبداعا من "عكاظ" من دون مبالغة. قياساً بزمن الاثنين، لكن من يصدق أمة مهزومة، من يصدق!

إن عظمة جريدة "إيلاف" انها جمعت الحسنين، دخلت عالم الإيلاف الدولي الراهن اسماً ومضمونا، جمعت بين قرشية الأصول في المضمون واللغة، وعالمية التفكير والرؤية. صدرت كجريدة "إلكترونية"، فوضعت اللغة العربية في الصدارة، وجعلتها تتعامل مع أحدث تقنيات العصر ولغته، وظلت "إيلاف" متمسكة بجذورها القرشية الأصيلة. وفية للأدب العربي، والفكر العربي، والهم العربي والإسلامي، والأهم تمسكها بحرية التعبير، وعدم التفريق بين الدول العربية، ووجهات نظر "القبائل" العربية، ففي "إيلاف" يقرأ الإنسان وجهات نظر الغساسنة والمناذرة، وغطفان وخزاعة، وكندة وجهينة، وربيعة وطئ، ويستمتع باختلاف الرؤية بين حازم صاغية وعبد الرحمن الراشد من جهة، وبين فيصل القاسم وعبد الباري عطوان من جهة مضادة، فـ"إيلاف" تشبه صاحبها، تشبه عثمان العمير... حرة ومثيرة في آن.

الأكيد أنه يحق لنا نحن الصحافيين السعوديين أن يكون فخرنا مضاعفاً بهذه المناسبة الأثيرة لهذه الجريدة الراقية، فمؤسسها سعودي من أبناء الجزيرة العربية التي علمت الناس الإيلاف ولم تزل. من حقنا أن نفخر بجريدة "إيلاف" لأنها دليل على أن السعوديين أصبحوا رواداً في الإعلام العربي الحديث، ليس لأنهم يملكون المال فحسب، بل لامتلاكهم سعة الأفق، والرؤية التقدمية، وقبول الأخر كشريك في الانجاز والعمل والرؤية، وما نجاح جريدة "إيلاف" الالكترونية، و"الحياة"، "والشرق الأوسط"، ومجموعة قنوات "إم بي سي"، وقناة "العربية"، التي أصبحت منابر لكل العرب عملاً ومشاهدة، إلا دليل على أن السعوديين أهل الإيلاف في التجارة والإعلام السياسية.

ماذا بقي أن أقول؟ أود هنا تهنئة الزميل عثمان العمير على تمسكه بالحرية، وقبول كل وجهات النظر، وإصراره على ترجمة اسم "إيلاف" من دون كلل.

إيلاف - الأربعاء 21 مايو 2008