تمثلت العقد الاول من القرن الحادي والعشرين، بداية لإحداث تغييرات جذرية وعميقة في النظام الداخلي لدول شرق أوسطية وذلك تزامنا مع التغييرات التى رافقت النظام الدولي بعد إنهيار الاتحاد السوفيتي في أواخر القرن الماضي ( القرن العشرون)، وقد جاءت التغييرات تلك نتيجة لتراكم شعور المواطن العادي – داخليا – بعدم الانتماء وتفاقم سطوة السلطة وتحكمها في جميع مجالات الحياة الخاصة منها والعامة بالنسبة للفرد المواطن، مع لمسة لقوى خارجية بصورتها المباشرة كما حدثت في العراق و دول أخرى عربية مثل لبنان و ليبيا، أو غير مباشرة مثل نشر وثائق تدل على فساد الحكام كنشر العديد منها في موقع ويكليكس بما أدى إلى تصاعد غضب الشعب وضرورة القيام بعمل ما، فأنتجت الاولى إحتلالا مباشرا كما حصل في العراق، أما الثانية فإنبثقت عنها حركات وصفت بثورات الربيع العربي في كل من تونس و مصر و ليبيا و اليمن و سوريا، ولكن هل التغييرات التي طالت الأنظمة السياسية منذ بداية القرن ولحد الآن ساهمت في تحقيق مطالب الشعوب؟ وهل كانت المطالب الرئيسي للمواطن العادي كانت تنعكس في تغيير الانظمة السياسية أم كانت هناك مطالب أخرى قد نأى الانظمة اللاحقة نفسها عنها؟
الثورة في أبسط معنيها عبارة عن إحداث تغييرات جذرية، عميقة الأثر في جميع بنى التي تمس البشر من إجتماعية و إقتصادية و فكرية و سياسية، بل إنها تصور مثالي لما يجب أن تكون عليه الحياة و ما تبنى مستقبلا على انقاض النظم السابقة. هذا التصور، وهذا الفهم، يمنحنا - على الأقل – رؤية، حول الشروط العامة كما يجب أن تتوفر في أي حركة إجتماعية لكى توسم بكونها حركة ثورية، منها:

1- الثورة ليست عملا إعتباطيا وقتيا، بل إنها تبدأ عندما يشعر الانسان بأنه مهان، لذلك نجد أن الفرد يسعى للتعبر عن سخطه من خلال التمرد على قواعد كانت في السابق تعد قواعد مشروعة، في هذا السياق يشير ألبر كامو في كتابه بعنوان ( الانسان المتمرد) بان التمرد يبدأ حينما يشعر الانسان بأن حقوقه مسلوبة.

2- لا يمكن أن نتحدث عن الثورة دون وجود دوافع إقتصادية، فأكثر الثورات التأريخية كانت عبارة عن مطالب إقتصادية تم التعبير عنها بالعنف الثوري بعد أن فشلت عملية المساومة بين الاطراف المتناقضة. فاثورة الصناعية كانت تعبرا عن إرادة البرجوازية الصاعدة بمقابل الاقطاعية المتخلفة، وحركة التنوير كانت تعبر عن إرادة الحد من سلطة الكنيسة بمقابل السلطة الدنيوية.

3- الثورة لا تعبر عن تناقضات سطحية بل إنها عبارة عن صراعات نجد أسسها في الاحياء الفقيرة، المعدومة، كما تتغذى عليها مشاعر السحط والشعور بالحرمان لدى فئات إجتماعية فقيرة وتدار بشكل مبرمج من قبل نخب حاكمة وأخرى إنتهازية تسعى للوصول الى السلطة.

4- الهدف من الثورة ليست تغيير النظام السياسي فقط، بل إن تغيير هكذا نظام ماهي إلا جزء من عملية الثورة، إنما الهدف منها تغيير البنى الفكرية و الاقتصادية و القانونية و الاجتماعية إضافة الى البنية السياسية.

فضلا عن ما تقدم، قد تكون نجاح الثورة من عدمها قائمة على مدى توفر هذه الشروط الاربعة في تلك الحركات الاجتماعية، لكى لا نذهب بعيدا، فالحركة العمالية وثورتهم قد باءت بالفشل وأنهار النموذج السوفيتي لأنها لم تستطع أن تغيير من بنى فكرية لمجموعات إجتماعية متعددة داخل السور السوفيتي، بل بإنهيارها قد إنهار أنظمة شيوعية أخرى داخل أوروبا وحركات و أحزاب شيوعية في أقطاب الارض كلها، وما بقي منها وأبرزها الصين الشعبية أضطرت الى إجراء تغييرات بمستويات مختلفة لكى تتألقم مع الوضع الدولبى الجديد. ذلك لأن فشل الثورات سيؤدي لا محالة الى إنهيار الدول، فإنها وإن بقيت وشاء لها القدر أن تبقى كدولة وكعنصر رئيسي داخل النظام الدولى، سوف تنهار داخليا وتكون بأحسن أحوالها حكومة لتصريف أعمالها اليومية وشوؤن مواطنها، لأنها تفقد سيادتها خارجيا وتفتقر الى الدعم داخليا. وهذا ما حدث للإتحاد السوفيتى، العديد من دول أمريكا اللاتينية و فليبين أيام ماركوس و رومانيا حينما إندلعت ثورة أحيط بتشاوشيسكو و نماذج أخرى، وهذا ما طالت الحركة الجماهيرية في الدول العربية، في ليبيا و مصر و سوريا و اليمن، فالنتأمل و النراجع الاحداث، بداية كانت الجماهير تطالب بإجراء إصلاحات، مجرد إصلاحات للتخفيف عن حال المواطن العادي، الذي كان يعاني من سوء المعيشة والبطالة وعدم وجود فرص العمل – لاحظ أن جميع هذه المطالب كانت عبرة عن مطالب إقتصادية وإجتماعية – ولكن تحول الشعار الى (إرحل)، إذن أصبحت غاية الحركة الاجتماعية في هذه البلدان قد إقتصرت على مطلب محدد وهي تغيير النخبة السياسية، بإعتقادنا أن بداية الحركة كانت ثورة بكل معنيها لأن إجراء التغييرات الاقتصادية كفيلة بإدخال تغييرات أخرى على النواحي الفكرية و الاجتماعية والسياسية، هذا التغيير لم يكن يجارى مصالح الكارتلات الخارجية، لذلك نجد ان الجماهير الغفيرة قد سيقت الى مطلب آخر، ألا وهي تغيير النخبة الحاكمة ومن ثم إجراء مجموعة من الاصلاحات والتغييرات خالية من روح الثورة الحقيقية. لذلك نجد أن الدول قد إنهارت وبقي حكوماتها، والسيادة قد أخترقت وبقيت حدودها، والشعوب إنقسمت وتعمقت ولاءاتها المحلية، وكل ذلك لأن الحركات الاجتماعية لم تنضج بعد لتولد ثورة على الرغم من تضحياتها.