لو لم تكن إيران متواطئة مع تركيا فلما كان هناك كلّ هذا التوغّل التركي في الأراضي العراقية لمطاردة حزب العمال الكردستاني التركي، ولما قال متحدثٌ وناطق بإسم حكومة رجب طيب أردوغان للعديد من وسائل الإعلام العربية والعالمية وبالطبع التركية أنّ الأتراك سيدخلون أي منطقة عراقية وسيبقون فيها كما يشاؤون، وهذا في حقيقة الأمر تحدٍّ معلن ومكشوف للشعب العراقي كله وللأمة العربية بأسرها وأيضاً للأكراد (العراقيين) وعلى رأسهم مسعود بارزاني الذين يجب ألّا يسكتوا على هذا التحدي الذي يستهدفهم قبل غيرهم من كل مكونات بلاد الرافدين.
كان حزب العمال الكردستاني التركي قد تم تأسيسه في نهايات سبعينات القرن الماضي بزعامة عبدالله أوجلان المعتقل في أحد السجون التركية منذ عام 1999 وكان وراء تشكيله، كما قيل ولا يزال يقال، المخابرات السوفياتية الـ "كي.جي.بي" وبالتعاون مع المخابرات السورية وعلى أساس التضييق على تركيا التي كانت عضواً فاعلاً في حلف شمالي الأطلسي ولا تزال، وهذا كان في مرحلة صراع المعسكرات والحرب الباردة بين ما كان يسمى المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية والمعسكر الشرقي بقيادة روسيا السوفياتية.

وحقيقة أنه كان هناك تعاطفاً في تلك الفترة مع هذا الحزب ومع زعيمه أوجلان الذي كان "تمركزه" في دمشق، وكان دائم التنقل بينها وبين بيروت والبقاع اللبناني أيضاً وعلى أساس أنه كانت له قوات في هذه المنطقة برعاية التنظيمات الفلسطينية ذات الميول اليسارية وبعض الأحزاب اللبنانية التي لها أيضاً مثل هذه الميول.

ولعلّ ما من المفترض أن يعرفه الذين عاشوا تلك المرحلة التي غدت بعيدة أنّ تركيا قد هددت الرئيس السوري السابق حافظ الأسد وأنها كانت قد أبلغت العاهل الأردني الملك حسين بهذا التهديد بأن قواتها ستصل إلى مدينة درعا على الحدود الأردنية في "48" ساعة إنْ بقي أوجلان وبقيت قواته على الأراضي السورية، وحقيقة أنّ إستجابة الأسد كانت فورية وأنه قد بادر بدون تردد لطرد أوجلان وإخراجه من بلده، وحيث تنقل هذا بين بعض الدول وإلى أن تم إلقاء القبض عليه في السفارة اليونانية في العاصمة الكينية وتم نقله إلى تركيا وجرت محاكمته في جزيرة "أمرالي" التركية وحكم عليه بالإعدام الذي تحول إلى سجن أبديٍّ حيث لا يزال نزيل أحد سجون تركيا منذ ذلك الحين وحتى الآن.

والمهم في هذا المجال أنه لم يكن لتركيا أن "تُعربد" كل هذه العربدة وأن تهدد بأنها ستدخل الأراضي العراقية التي تريد دخولها وأنها ستقيم فيها كما تشاء لو لم يكن هناك إتفاق مع إيران في هذا المجال، وهذه مسألة يجب أن تأخذها الحكومة العراقية بعين الإعتبار، وإذْ أنه لا يجوز "أن يكون حاميها حراميها" فالمعروف للعراقيين وللقاصي والداني أن دولة: "الولي الفقيه" تحتل هذا البلد العربي إحتلالاً كاملاً وأنها لو لم تكن متفاهمة مع رجب طيب أردوغان فلما كان الأتراك بكل هذا "التحدي" ولما توغلوا في إقليم كردستان العراقي كل هذا التوغل ولما قالوا أنهم سيدخلون ما يريدون دخوله من بلاد الرافدين وأنهم سيبقون فيها ما يشاؤون ..وربما إلى أبد الآبدين!!