تسع سنوات وأكثر والادارة الأمريكية تضع (الزيت الأمريكي) على نار الحرب السورية. أمريكا ( زودت فصائل المعارضة بالسلاح) لإطالة أمد الحرب، لأجل قتل وتهجير وتشريد أكبر عدد ممكن من السوريين وتدمير ما يمكن تدميره في سوريا. بعد أن حققت الادارة الأمريكية ما أرادته من الحرب( قتل، تهجير، تدمير)، خرجت على العالم بما سمته "قانون قيصر لحماية المدنيين" وقع عليه ( دونالد ترامب) يوم 20 كانون الأول 2019، ليدخل حيز التنفيذ يوم 17 حزيران الجاري، يستمر العمل به لمدة عشر سنوات قابلة للتمديد.
ينص القانون على " فرض عقوبات جديدة و قاسية على القطاعات الأساسية للاقتصاد السوري وعلى كل من يخترق بنود هذا القانون من دول وشركات وأفراد ومؤسسات، لإرغام النظام السوري على الانخراط في (العملية السياسية) للتوصل الى حل سياسي للأزمة السورية وفق القرار الأممي 2254 ".
أن يُفعل (قانون قيصر) بعد انحسار المعارك في سوريا و(شبح المجاعة) يخيم على البلاد، (أكثر من82% من الشعب السوري تحت خط الفقر وفق تقديرات الأمم المتحدة) ، يطرح الكثير من التساؤلات والشكوك حول (الأهداف الأمريكية) من قانون قيصر "حماية المدنيين".
(روبرت فورد )، السفير الأميركي السابق لدى سوريا والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، في مقال له نشر في صحيفة (الشرق الأوسط) يوم الأربعاء 24 حزيران الجاري بعنوان ( هل يزيد قانون قيصر فرص الحل في سوريا؟ ) يقول: "من الغريب أن نسمع مسؤولين في واشنطن ينفون أن تضر العقوبات بالمواطنين السوريين في الوقت الذي يتمثل الهدف منها في زيادة الضغوط بوجه عام على الاقتصاد". يضيف (فورد): " للأسف الشديد لا أتوقع من جانبي أن تثمر عقوبات قيصر حلا قريباً، وإنما بدلاً عن ذلك أعتقد أنها ستجلب مزيداً من المعاناة واليأس إلى المواطنين السوريين."..
السوريون لا يستغربون نفي (الادارة الأمريكية) أن تلحق عقوباتها أضراراً بهم وتعمق محنتهم.
السوريون يستغربون فرحة وتصفيق المعارضات السورية في الخارج( الائتلاف – هيئة التفاوض)، للعقوبات الأمريكية ونفيها للحقيقة التي اعترف بها صديقها الأمريكي(روبرت فورد) .
من حق المعارضات السورية أن تفرح لقانون أمريكي أنعشها مع جرعة أمل بالبقاء على قيد (الحياة السياسية). أمر مخز أن نرى معارضون سوريون، ممن أمنوا اسرهم في الخارج من مخاطر العقوبات الأمريكية سعداء بهذه العقوبات.
نقول هذا ليس دفاعاً عن (نظام دكتاتوري)، مطلوب تغيره، وليس تبريراً للجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوري سنوات الحرب، وإنما دفاعاً عن (لقمة عيش) الفقراء والمسحوقين من السوريين ممن صمدوا وتحملوا ويلات الحرب لأجل أن يبقى وطناً أسمه (سوريا). في الماضي (العقوبات الأمريكية) لم تُجوع نظام الأسد الأب، واليوم (العقوبات الأمريكية) الجديدة لن تُجوع نظام الأسد الأبن. حتى لو أنهار الاقتصاد السوري، سيبقى الجائع والموجوع وحده (الشعب السوري). خلال مؤتمر افتراضي نظمه معهد الشرق الأوسط يوم الاثنين 22 حزيران الجاري، تعقيباً على تفعيل (عقوبات قيصر)، قال المبعوث الأمريكي الخاص بالملف السوري (جيمس جيفري): " لا نقول إن على الأسد أن يرحل، نؤكد أن عليه وحكومته تغيير ممارساتهم .. أن الولايات المتحدة تريد أن تعود الأوضاع في سوريا إلى ما كانت عليه قبل العام 2011.. ".
كلام جيفري يطيح بكل آمال و أحلام المعارضات السورية التي تشيد بقانون قيصر وترى فيه " دور إيجابي مهم في عملية التغيير بسوريا".
مفاعيل وأضرار (عقوبات قيصر) لن تقتصر على الوضع (الاقتصادي والانساني)، ثمة (مخاوف وطنية) حقيقية من أن يصبح هذا القانون ( سيف أمريكي لتقسيم سوريا ).
قد يرى البعض مبالغة في هذه المخاوف. لكن المتابع لما يجري في المناطق السورية المحتلة والخارجة عن سلطة الدولة(النظام)، من تغيير ممنهج (ديمغرافي، ثقافي ،سياسي، اقتصادي، تربوي، تعليمي، اجتماعي) سيتيقن بأن التقسيم قد يصبح أمر واقع وحصيلة حاصل مع إطالة عمر الأزمة السورية لسنوات أخرى وربما لعقود أخرى، وهو ما تريده وتخطط له الادارة الأمريكية من خلال تفعيل (عقوبات قيصر).
إدارة ترامب، تسعى (لإجبار النظام السوري وحلفاءه على وقف المعارك ، منع النظام من السيطرة على كامل الجغرافية السورية والابقاء على سوريا المقسمة الى مناطق نفوذ، وضع فيتو أمريكي يحول دون إعادة إعمار سوريا)، كل هذا بذريعة (أن النظام يرفض الرضوخ للشروط والمطالب الأمريكية لقاء رفع العقوبات عن سوريا).
الادارة الأمريكية تدرك جيداً بأن النظام وحلفاءه وداعميه لن يستجيبوا لشروطها وهي تدرك، مع إطالة عمر (الأزمة السورية) تصبح المناطق المحتلة والخارجة عن سلطة الدولة السورية، (كانتونات متمايزة عن الهوية الوطنية السورية وتضعف علاقتها بالمركز دمشق)، لتنفصل لاحقاً أو ضمها من قبل دولة الاحتلال(تركيا). تركيا العثمانية على لسان أكثر من مسؤول، كشفت عن أطماعها القديمة الجديدة بالأراضي السورية. فمن غير المستبعد أن تقدم (تركيا الأردوغانية ) على ضم الأجزاء التي تحتلها في الشمال السوري.
الأكراد من جهتهم رفعوا سقف مطالبهم الى حق " تقرير المصير" يعني "الانفصال". جولات الحوار بين القوى الكردية المتخاصمة، (الاتحاد الديمقراطي PYD ومن معه) و (المجلس الكردي ومن معه)، جرت برعاية ( أمريكية- فرنسية)، انتهت بوضع ( وثيقة تفاهم )، أُعلن عنها مع بدء تفعيل عقوبات قيصر.
أقر الأكراد في وثيقتهم " سوريا دولة موحدة لكل سكانها نظامها فيدرالي يحصل الاكراد فيها على جميع حقوقهم بما فيه حق تقرير المصير ".
معلوم أن الأكراد يسيطرون على معظم منطقة شرق الفرات(الجزيرة). وقد باتت هذه المنطقة الحيوية من سوريا (محمية أمريكية)، حيث تنتشر فيها العديد من (القواعد العسكرية الأمريكية) أقامتها في إطار الحرب على داعش.
عن احتمالات تقسيم سوريا ، في ذات المقال المشار اليه، يقول (روبرت فورد) : "من الممكن تخيل نجاح بعض الأقاليم داخل سوريا الخاضعة للحماية التركية والأميركية في الحصول على استقلال ذاتي محلي إذا افتقرت الحكومة السورية للقدرة الاقتصادية والعسكرية لفرض إعادة دمج هذه الأقاليم داخل كيان الدول السورية الموحدة.." .
أنه لأمر مثير أن يظهر الأمريكي (روبرت فورد) أكثر (مصداقية وواقعية) من المعارضات السورية (الائتلاف- هيئة التفاوض) في مقاربته للأزمة السورية ولمخاطر (قانون قيصر) على مصير ومستقبل سوريا وشعبها.
منذ اليوم الأول تعاطت المعارضة مع (الأزمة الوطنية) بعقلية ( الثأر - الاقتصاص من المجرم)، تاركة الوطن يغرق بدماء أبنائه.
المعارضة تريد إسقاط (حكم الأسد) بأي ثمن، حتى لو كان الثمن ( سقوط وتفكك الدولة السورية وضياع الوطن وموت الشعب السوري ذبحاً و جوعاً).
هكذا معارضة لا تختلف عن موالاة، تردد " الأسد أو نحرق البلد ".
باحث سوري مهتم بقضايا الأقليات
[email protected]
التعليقات