بدأت العلاقات الأفغانية السعودية قبل تسعين عاماً من الآن، وبالتحديد في شهر ذي الحجة لسنة 1350هـ عندما وقعت مملكة أفغانستان -إبان النظام الملكي الأفغاني- في زمن الملك محمد ظاهر شاه، معاهدة صداقة مع الملك عبد العزيز عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، وكانت حينها أفغانستان أول دولة إسلامية تعترف بحكم الملك عبد العزيز، وكانت السعودية حينذاك تسمّى بمملكة الحجاز ونجد وملحقاتها، ووقع معاهدة الصداقة بين البلدين مفوّضيْن من الجانبين.

وازدهرت العلاقات الأفغانية السعودية بزيارة رسمية للملك محمد ظاهر شاه إلى المملكة العربية السعودية ولقائه بجلالة الملك عبد العزيز -رحمهما الله- في سنة 1948م ومن ثم تلتها زيارة أخرى، بعد عامين من الزيارة الأولى لتأدية فريضة الحج، وكان يرافقه حينها الملك فيصل بن عبد العزيز -أمير الحجاز في حينه-، وبعد أن استلم الملك فيصل مقاليد الحكم في السعودية قام بزيارة أفغانستان سنة 1970م والتقى فيها بالملك محمد ظاهر شاه وكبار المسؤولين وتزيّنت شوارع العاصمة كابل بأعلام السعودية، وألقى الملك فيصل فيها كلمة أشاد فيها بجهود الملك ظاهر شاه ووقوفه مع المملكة في قضية فلسطين وغيرها من القضايا العربية.

وبعد سقوط النظام الملكي الأفغاني، وتغيير النظام من ملكي إلى جمهوري استمرت العلاقات بين البلدين، فقام الرئيس داود خان بزيارة المملكة والتقى حينها بالملك خالد بن عبد العزيز سنة 1978م، وعقدا جلسة محادثات رسمية تناولت القضايا العربية والإسلامية والعالمية.

ولكن سرعان ما حدث انقلاب ثانٍ في أفغانستان، فانقلب الشيوعيون على داود خان وقتلوه، وتدخلت القوات السوفييتية في أفغانستان وأعلنت الحرب على الشعب الأفغاني ودعمت النظام الشيوعي، ولكن لم تقف المملكة مكتوفة الأيدي أمام الغزو السوفييتي على الأراضي الأفغانية، فنددت بالتدخل السوفييتي أمام المجتمع الدولي وفي الأمم المتحدة وأصدرت البيانات تلو البيانات وجمعت الأصوات في إدانة الغزو على أفغانستان، فكان للمملكة دور محوري في دعم أفغانستان وشعبها أمام السوفييت وإخراج قواتهم من الأراضي الأفغانية.
ومع خروج القوات السوفييتية واندلاع الحرب الأهلية بين القادة الأفغان، لم تلبث المملكة إلا أن توحّد الصف الأفغاني، فسعت وحاولت عدة مرات للإصلاح بين القادة الأفغان ولمّ شملهم، فنجحت المملكة باستضافة مؤتمر مكة المكرمة سنة 1993م، والتي كانت تحت رعاية الملك فهد بن عبد العزيز، وكان مهندس الصفقة سمو الأمير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية -آنذاك-، ووقع القادة الأفغان معاهدة سلام ومصالحة، ولكن نظراً لشدة الخلافات بين الزعماء الأفغان ما لبثوا أن عادوا للقتال مرة أخرى، فعمل الأمير تركي الفيصل جاهداً حلّ هذه الأزمة وسافرة مرات عدة إلى أفغانستان، ولكن كانت الفرقة والخلاف بين الساسة الأفغان أكبر، ولم يسمعوا لمحاولات وقف القتال بين بعضهم البعض.

ومع دخول حركة طالبان إلى كابل وفرض سيطرتها على أكثر من 80٪ من أراضي أفغانستان وإعلان حكومتهم عليها، كانت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وباكستان، أولى الدول التي اعترفت بحكومة طالبان، رغبة منها في استتباب الأمن في أفغانستان، ووقف القتال الدائر في البلاد، ولكن قطعت السعودية علاقاتها بحكومة طالبان، قبيل هجمات الحادي عشر من سبتمبر، بسبب تواجد أسامة بن لادن في أفغانستان وتصريحاته المستمرة ضد المملكة وقيادتها.

ومع استلام الرئيس حامد كرزي، الحكومة المؤقتة في أفغانستان بعد سقوط حكومة طالبان، بادرت المملكة مرة أخرى لتكون من أولى الدول الداعمة اقتصادياً لأفغانستان.

فيظهر للجميع أن المملكة لم تتخلى أبداً عن أفغانستان في كافة المحن التي مرّت بها، ويظهر من ذلك أنها كان شغلها الشاغل، هو استتباب الأمن والاستقرار وحفظ السيادة الأفغانية.

وعلى الرغم من الدعايات المغرضة لبعض الأفغان -مع الأسف- الذين لديهم أجندات خارجية، وهجومهم على المملكة، إلا أن الغالبية من الشعب الأفغاني يكنّون للسعودية كل محبة وتقدير، وهذا نابع من خلال مكانة المملكة وكونها قبلة المسلمين وقائدة الأمة الإسلامية.

إن ما يميّز علاقات المملكة وأفغانستان، هو أن المملكة ليست لها أية أطماع في أفغانستان، فهي ليست من جارات أفغانستان الملاصقة لحدودها، وكلما تريده المملكة هو الازدهار والتقدم والسلام لأفغانستان، وأن تكون علاقات مبنية على أسس أخوية صديقة قائمة على الاحترام والتقدير.

ودون أدنى شك، بأن الرئيس أشرف غني أعطى اهتماماً كبيراً لتقوية العلاقات الأفغانية السعودية، والأفغانية الخليجية، فكان للرئيس عدة زيارات مهمة إلى المملكة، وكانت أولى زياراته الخارجية إلى المملكة لأداء العمرة وذلك بعد تسلّمه الرئاسة في دورته الأولى، وكذلك ترؤسه لوفد أفغانستان المشارك في القمة العربية الإسلامية الأميركية، المعروفة بقمة الرياض 2017.

ومشاركته في قمة مكة الإسلامية سنة 2019 وزيارته الرسمية في نفس العام للمملكة، ولقائه بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وزيارة سابقة ودية، لقي فيها حفاوة وتقديراً من قبل خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد.

كما كانت لزيارة الدكتور عبد الله عبد الله سنة 2016م -الرئيس التنفيذي لأفغانستان حينها- أهمية كبرى وخاصة في تاريخ العلاقات بين البلدين، حيث أنه قدم إلى المملكة على رأس وفد كبير يضم ما يقارب تسعون شخصاً من وزراء ومستشارين ومسؤولين، ولقاءاتهم بخادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد وقد غيّرت زيارة الدكتور عبد الله عبد الله كل الاعتقادات الخاطئة، وأوقفت جهود المغرضين والمصطادين في الماء العكر، والذين عملوا لفترات طويلة في تشويه العلاقات الأفغانية السعودية.

حيث وصلت العلاقات بين البلدين إلى التنسيق في مجال مكافحة الإرهاب، وكانت هناك العديد من الزيارات التي قام بها مستشارو الأمن الوطني الأفغاني إلى المملكة، ومشاركة وزير الدفاع الأفغاني في مؤتمر وزراء دفاع دول التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب سنة 2017م، وزيارة معالي مساعد وزير الدفاع السعودي محمد العايش إلى أفغانستان، وكذلك زيارة معالي الفريق عبد الإله الصالح، الأمين العام لمركز التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب -سابقاً-، ولقائهما بالرئيس غني والدكتور عبد الله ووزير الدفاع الأفغاني، ومما ساهم بشكل أكبر في التنسيق بين البلدين في مكافحة الإرهاب، تعيين أفغانستان لمندوبين ممثلين لها لدى مركز التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب.
لقد كان الرئيس أشرف غني حريص جداً على أن تلعب السعودية دوراً محورياً وكبيراً في عملية المصالحة الأفغانية، وكانت المملكة قد أبدت استعدادها بلعب دور بنّاء في المصالحة، وبناء على موافقة من خدام الحرمين الشريفين الملك سلمان بن بعد العزيز، عقدت منظمة التعاون الإسلامي "المؤتمر الدولي لعلماء المسلمين حول السلم والاستقرار في أفغانستان" سنة 2018م وبرعاية من الملك سلمان الذي اجتمع بالعلماء المشاركين في المؤتمر، وقدّم دعمه للمصالحة الأفغانية، ورحّب بعملية وقف إطلاق النار، وتلى ذلك خطبتي الجمعة في المسجد الحرام والمسجد النبوي، والتي دعمت السلام في أفغانستان، وأيّدت خطوة وقف إطلاق النار في أفغانستان.

وتكريماً لمن خدموا العلاقات بين البلدين، أصدر الرئيس أشرف غني مرسوماً رئاسياً يقضي بتقليد صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل، بوسام "الغازي مير بجه خان" وهي من أحد أعلى الأوسمة في أفغانستان، وذلك تقديراً لجهوده خلال عمله رئيساً للاستخبارات السعودية آنذاك، في دعم أفغانستان خلال فترة الغزو السوفييتي والحرب الأهلية ولمّ شمل القادة الأفغان وتوحيد صفوفهم.

أما على الصعيد التنموي، فقد قدمت المملكة قروضاً ميسرة لأفغانستان، خلال الزيارة الأخيرة للرئيس غني إلى المملكة في أغسطس العام الماضي، منها بناء 100 مدرسة لوزارة المعارف الأفغانية بقيمة 48 مليون دولار أميركي-ويُطلق عليها في أفغانستان بـ "مكتب"-، وتوقيع اتفاقية قرض لتمويل مشروع الطريق الدائري في كابل بمبلغ 50 مليون دولار، بالإضافة إلى تمويل الصندوق لمشروع طريق "آرملك" بقيمة تجاوزت أكثر من 60 مليون دولار.

وقدمت الحكومة السعودية منحة لبناء مستشفى القلب في أفغانستان بسعة 100 سرير، وعدد من المستوصفات والعيادات الطبية في القرى الأفغانية النائية والتي يصعب وصول الخدمات إليها، بالإضافة إلى توفير 34 سيارة إسعاف، كما أن المملكة وقّعت اتفاقية طباعة كتب وزارة المعارف الأفغانية، وترسل سنوياً مئة طن من التمور لأفغانستان، بالإضافة إلى دعم مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية بقيمة 30 مليون دولار، ضمن برنامج إعادة المهاجرين الأفغان، ودعم وزارة الداخلية السعودية في تعديل جنسيات المقيمين الأفغان الذين قدموا إلى المملكة بجوازات سفر باكستانية، وتسهيل إجراءات المقيمين الأفغان الراغبين بمغادرة المملكة، وإعفائهم من كافة المخالفات والعقوبات المترتبة عليهم.

أما على الصعيد السياسي، فهناك توافق في السياسة الخارجية بين الرئيس أشرف غني وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ومن ذلك، دعم الحكومة الشرعية في اليمن، وجهود مكافحة الإرهاب في البلدين، وبناء على توجيهات الرئيس غني، بإدانة الأعمال الإرهابية وهجماتهم على المنشآت النفطية في المملكة والسفن الإماراتية، واستهداف الحوثيين للمدنيين والأعيان المدنية.

خلال اجتماعاتي بالمسؤولين السعوديين -فترة عملي كسفير لدى المملكة- كانوا يبدون حرصهم واستعداد المملكة في دعم المشاريع الأفغانية والتي تطلب فيها حكومة أفغانستان الدعم والتمويل.
إن من يصطادون في الماء العكر ويحاولون ضرب العلاقات الأفغانية السعودية من خلال ما قدمته المملكة من قروض ميسّرة، واعتبارهم أن المملكة لها أهداف أخرى وراء هذا الدعم أو هذه القروض، فيجب عليهم معرفة أن هذه القروض يتم التصديق عليها من قبل البرلمان الأفغاني أولاً قبل اعتمادها، وهذا يعني بأن الحكومة والمجلس التشريعي موافقين على كافة الاتفاقيات التي يتم التوقيع عليها مع الصندوق السعودي للتنمية.

ولكن وجود أجندة خارجية لبعض المغرضين في أفغانستان، هو ما يدعوهم إلى الهجوم على المملكة ومحاولة ضرب العلاقات بين أفغانستان والسعودية، ومهما فعلوا فلن تتأثر هذه العلاقات بين البلدين بهذا النوع من الهجوم الذي لا معنى له سوى خدمة أجندة دول خارجية، فالعلاقات أقوى من أن يستطيع أشخاص محدودين إفشالها.

ففي الكثير من القضايا التي تهم البلدين، وقف مجلس النوّاب الأفغاني بجانب المملكة، موقف الأخ مع أخيه، وكان وقوف مجلس النواب خلاف ما كان يتوقعه الكثير من أجهزة الإعلام والمغرضين.

ولا زلتُ أتذكر لقاء معالي الأستاذ عادل الجبير حين تقديمي لنسخة من أوراق اعتمادي كسفير لدى المملكة، وقال لي حينها: "بأنه لا توجد سقف للعلاقات، وأن السفير هو من يستطيع بجهوده أن يرفع العلاقات بين البلدين لآفاق واسعة".

وخلال فترة عملي، وجدتُ دعماً كاملاً من وزارة الخارجية السعودية وكافة الجهات الحكومية والمسؤولين السعوديين، والتي كانت سبباً في دعم العلاقات بين البلدين.

ومما ساعد أيضاً في تقوية العلاقات خلال الآونة الأخيرة، تعيين الأستاذ جاسم الخالدي سفيراً للمملكة لدى أفغانستان، فهو دبلوماسي محنك وقدير، أسهم وجوده في تعزيز العلاقات بين البلدين بشكل كبيرو ولديه إلمام كامل بالمنطقة، نظراً لعمله في العديد من دول المنطقة.

وأيضاً تعيين الدبلوماسي المخضرم أحمد جاويد مجددي سفيراً لأفغانستان لدى المملكة، بعد انتهاء فترة عملي في المملكة، وكان السفير أحمد مجددي يشغل منصب رئيس المراسم في أفغانستان، وسوف يكون له دور كبير في تقوية العلاقات بين البلدين الشقيقين، وذلك بسبب ما يتمتّع به السفير مجددي من كاريزما عالية.
فالعلاقات الأفغانية السعودية تستمد قوّتها من الاحترام والتقدير الخاص من الشعب الأفغاني للمملكة العربية السعودية، وذلك لدورها الكبير في خدمة الإسلام والمسلمين والاهتمام بالحرمين الشريفين، وأيضاً اهتمام المملكة بأفغانستان مستمدٌّ من حرص واهتمام المملكة وقيادتها بالعالم الإسلامي.

السفير الأفغاني السابق في الرياض