تُعرف التنمية المستدامة (Sustainable Development) بأنها عبارة عن عملية تطويرية للمدن والأعمال التجارية والأراضي، ويمارس هذا النوع من التنمية سعيا لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مختلف النواحي، ويشترط في هذه التنمية أن تتماشى مع الحاضر من خلال تلبية احتياجاته ومتطلباته، وقد ظهرت هذه العمليات التنمويّة على هامش ما يعانيه العالم من خطورة كبيرة في التدهور البيئي الذي يتفاقم يوما بعد يوم، وبناء على ذلك فإن الأمر قد استوجب على العالم التصدي لهذا التدهور، وبالتالي تحقيق التنمية الاقتصادية والعدل الاجتماعي. كما أن الاستخدام الفعلي لمصطلح التنمية المستدامة يعود إلى عام 1987م، وقد جاء ذلك في تقرير أصدرته اللجنة العالمية للتنمية والبيئة تحت عنوان "مستقبلنا المشارك"، وعُرِّفت التنمية المستدامة بأنها تنمية تخدم العنصر البشري دون إلحاق الأذى بالأجيال القادمة أو المساس بها، وتركز على ضرورة النمو الاقتصادي الذي يتصف بالتكامل والاستدامة، والإشراف البيئي، والمسؤولية الاجتماعية.

التنمية هي عملية مجتمعية شاملة متوازنة هدفها تأمين متطلبات الحياة الكريمة للإنسان، وتسعى للنهوض بكل مكونات الدولة عبر عمليات متوالية ومتتالية. ويجب ان لا تكون ذات حركة عشوائية او استجابة وقتية وآنية لمتطلبات واقعة او رد فعل لضغوط دولية او إقليمية، وإنما تكون دائما في جوهرها عملية مستقلة شاملة متواصلة من خلال السيطرة على الفائض الاقتصادي وعدم استنزافه، وإعادة توزيعه لصالح الطبقات الفقيرة والمتوسطة، لتحقيق التطور والتقدم وإيجاد نهضة حضارية. وفي الوقت ذاته يجب على التنمية ان تعمل لتحقيق التوازن للمجتمع دونما التركيز على قطاع بعينه عن القطاعات الأخرى، أي التركيز على التنمية الاقتصادية على حساب التنمية السياسية والثقافية والاجتماعية. يقوم نموذج التنمية الحقيقية في جوهره على فكرة العدل والمساواة، حيث يجب ان تتحرك بصورة شاملة ومتوازنة على جميع المستويات، من اجل تحقيق نهضة حضارية شاملة في الدولة.

أما معوقات التنمية المستدامة فيمكن تلخيصها فيما يلي:
• عدم الاستقرار السياسي: لا يمكن تحقيق تنمية مستدامة في ظل وجود حالة من عدم الاستقرار السياسي، والحروب الأهلية أو الانقلابات العسكرية. كما أن التغييرات المتكررة في الحكومة (أي تغيير الوزراء بشكل مستمر) تؤدى إلى تضارب في السياسات وبرامج التنمية ونقص الاستمرارية في أنشطة التنمية، وكلها أمور تتعارض مع التنمية المستدامة.

• الفساد والتواطؤ: الفساد والتواطؤ بين النخبة والسياسيين في السلطة مع رجال الأعمال تعيق أنشطة التنمية، بجانب الافتقار إلى المسائلة، وإهدار المال العام، والافتقار إلى المؤسسات الديمقراطية الشعبية والمشاركة في صنع القرار.

• غياب التخطيط السليم: تستلزم التنمية المستدامة اعتماد نهج وخطط، تتطلب تفاعلا متعدد التخصصات يشمل جميع الوزارات والدوائر الحكومية ذات الصلة، والتي يجب ان تعمل بطريقة متكاملة وفي وقت واحد وبتناغم في عملية التخطيط. كما تتطلب التنمية المستدامة دمج الشواغل البيئية بشكل أفضل في البرنامج في مرحلة التخطيط، وهذا يستلزم تدريب وتوجيه لجميع المعنيين.

• السياسات والاستراتيجيات الغير مناسبة: يجب تجسيد الاهتمام بالبيئة في سياسات واستراتيجيات التنمية، بمعنى آخر، يجب صياغة السياسات فيما يتعلق بالأهداف المراد تحقيقها . ويجب أن تهدف الاستراتيجيات التي سيتم اعتمادها إلى مجموعة من الخيارات الاستراتيجية البديلة التي تضمن الحفاظ على الموارد وتعزيز جودة قاعدة هذه الموارد قدر الإمكان.
• الدعم القانوني والتشريعي لبرامج التنمية: هناك حاجة إلى حوافز اقتصادية وصكوك قانونية وتشريعية لدعم مشاريع التنمية التي تحظى فيها جودة البيئة والمحافظة على الموارد بأولوية عالية. عند غياب هذه الأدوات، سيكون من الصعب ضمان تحقيق الحفاظ على الموارد والجودة البيئية واتخاذ التدابير اللازمة لفرض الامتثال.

• القيود التكنولوجية: تتطلب التنمية تطبيق العلوم والتقنيات المناسبة للحفاظ على الموارد الطبيعية وإدارتها ومعالجتها والاستخدام الرشيد لها. معظم البلدان العربية تفتقر الى الكوادر المدربة في العديد من المجالات، ولا تمتلك القدرة المؤسسية على إنتاج التكنولوجيات وتكييفها لجعلها مناسبة لتنفيذ برامج التنمية.

• القيود الاجتماعية والاقتصادية: تشمل القيود الاجتماعية والاقتصادية أوجه القصور في التعليم والتدريب، والظروف الاقتصادية غير المواتية، وقيود الدعم المالي. تتطلب التنمية المستدامة التعليم البيئي على جميع المستويات وتطوير مناهج مناسبة في العلوم والتكنولوجيا تتضمن مختلف جوانب حفظ الموارد الطبيعية وإدارتها.

التنمية المستدامة هي التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر من دون النيل من قدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها. كما أن عبارة تنمية مستدامة تعني نمطا من التنمية لا تفرط في استثمار مصادر الثروات الطبيعية التي ترتكز عليها هذه التنمية أو تخربها، أي أنها تنمية تعمل على تجديد الموارد والثروات، وإعادة التصنيع بشكل يضمن بيئة نظيفة وصالحة لحياة الأجيال الحاضرة والقادمة.

على أنظمة الحكم في الدول العربية اذا كانت جادة لتحقيق التنمية المستدامة ومعالجة معوقاتها، ان تعيد صياغة توجهات ومسار التنمية العربية بما يساعدها على الاستفادة المتبادلة من الإمكانيات والموارد المتوافرة لديها ككتلة إقليمية قادرة على الاستمرار والتواصل، وتطوير التعليم التكنولوجي وتضييق الهوة ما بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل وفقا للتطور العلمي والتكنولوجي، وهذا يتطلب توفير بيئة سياسيه وأمنية مناسبة ومستقرة، تحمي الطبقات المتوسطة والفقيرة وتحفظ حقوق الانسان الأساسية وتلتزم بقيم العدل والمساواة وتحفظ استقلال الوطن وأمنه وتؤمن مستقبله ومستقبل اجياله.