رحل في الأسبوع الماضي الشيخ صباح الأحمد، أمير الكويت وعميد الدبلوماسية الخليجية، بعد عمر عامر في العمل الدبلوماسي وإدارة الدولة، وخلف تاريخاً مشرفاً وسمعة طيبة بين كافة دول الخليج والعالم العربي.
فقد كان الرجل رحمه الله، من القلائل الذين يدركون أهمية الحكمة في معالجات السياسة، كما كان مدركاً، عبر تاريخ طويل من العمل في كواليس السياسة الخارجية، أن إدارة السياسة باعتبارها شأناً عاماً من أعقد القضايا التي تحتاج تدويراً لزوايا النظر واستصحاباً لكل الاحتمالات الممكنة في تدبير الحلول مع جعل الغايات العليا كالأمن والاستقرار والسلام، غاياتٍ تهون من أجلها كل المواقف المتعنتة والمتشددة.

ولقد كانت منطقة الخليج، ولاتزال، حين تولى الشيخ صباح الأحمد الإمارة فيها العام 2006 تمر بمراحل مضطربة، لكن المرحوم حرص كل الحرص أن يكون حكمه للكويت وإدارته للدولة فيها امتداداً لرؤية آل الصباح الذين رسموا للكويت مساراً سياسياً عكست نتائجه نجاحات كبيرة في استقرار المجتمع الكويتي، ورفاهيته، كما لعبت دوراً كبيراً في تطوير الوعي والثقافة والفنون والعمل الطوعي، الأمر الذي جعل من المجتمع الكويتي ي وجهاً مشرقاً ونموذجاً للتطور والانفتاح في الخليج.
لقد ارتبطت الكويت بتاريخ سياسي طويل مع الدولة السعودية، فما كان بين آل سعود وآل الصباح ليس مجرد علاقات جوار ورحم فقط، بل كذلك ارتباط عميق بين الأسرتين الحاكمتين انعكس في العلاقات السياسية التي عمقتها رؤية المصير الواحد؛ فإذا كان الملك عبد العزيز، رحمه الله، قد انطلق من الكويت لاستعادة ملك أجداده في الرياض، فقد ظلت تلك العلاقة باقية كامتداد معاصر في التاريخ السياسي للقرن العشرين.

لهذا كانت رؤية الملك فهد بن عبد العزيز للمصير الواحد بين الكويت والمملكة العربية السعودية عند احتلال العراق للكويت في العام 1990 هي أساس موقفه الصلب والصارم من جل تحرير الكويت دون تردد وحشد أكبر حلف عسكري من أجل ذلك.

كانت رؤية الملك فهد في الإصرار على تحرير الكويت وعدم تركه لمصيره، هي التي عصمت المنطقة برمتها، وهذا ما يمكن أن ندركه اليوم لنعرف بصيرة وحكمة الملك فهد بن عبد العزيز – رحمه الله – حيث دلت الأيام مدى عمق النظر الثاقب للملك فهد بن عبد العزيز. لقد كان الملك فهد مدركاً بأن العمل العمر العربي المشترك آنذاك لا يعكس قوةً واجتماعاً على رأي واحد، وكان مؤمناً في الوقت نفسه أن مصير الكويت والمملكة مصير واحد لا ينفصل، لهذا وجد في فكرة التحالف الدولي من اجل تحرير الكويت من احتلال العراق في العام 1990 هي الحل الأمثل.

لهذا كان الشيخ صباح الأحمد من أكثر العارفين والمقدرين لرؤية الملك فهد رحمه الله ولثاقب بصيرته النافذة في رؤية المصائر بحكمة.

تعلم الشيخ صباح الأحمد الكثير من درس الاحتلال العراقي للكويت، كما تعلم الكثير من الموقف العظيم للملك فهد بن عبد العزيز مع الكويت في ذلك الظرف التاريخي الدقيق. ولهذا كان الشيخ صباح الأحمد، إلى جانب الأمير سعود الفيصل، رحمهما الله، من أبرز حكماء الخليج والعارفين بخبايا السياسة الخارجية، والمجيدين لأدوار العمل الدبلوماسي ببراعة كبيرة. ولهذا نجح الراحل الكبير في أن يكون أكبر قدرة على قيادة الكويت بعد إرث طويل في الدبلوماسية الخليجية والعربية والدولية.

أحب الناس في الخليج والعالم العربي الشيخ صباح الأحمد لحكمته ومصداقيته وصبره وتحمله، وأفقه الواسع في رؤية عواقب الأمور بما لا يراه الكثيرون، فكسب القلوب. رحم الله الشيخ صباح الأحمد فقد كان حكيماً فقدناه.