نستقبل اليوم ذكرى حزينة علينا وعلى قلوب جميع الناس ألا وهي الذكرى الثانية لرحيل الأمير طلال بن عبد العزيز الذي كان يشكل صوتاً مجلجلاً في المشهد الإعلامي والسياسي، كما شغل انتباه المراقبين السياسيين في الشرق الأوسط والعالم، فضلاً عن متابعة المراكز البحثية والدراسات لقراءاته وتحليلاته للمشهد السياسي العربي، وعليه ترك الأمير وراءه إرثاً سياسياً وفكرياً ومعرفياً عظيماً، فالرجل له ثقله السياسي والفكري محلياً وعربياً وعالمياً، كما يحسب له ألف حساب في الدوائر السياسية المتعلقة بالإرادة الدولية. فهو يتمتع بخبرة ودهاء سياسي ورؤية اقتصادية، إذ إنه يعبر عن حالة متفردة في عالم السياسة، لأنه يجمع عدة خبرات وتجارب ومهارات وممكنات في آن، لذلك ‬يعدّ أحد أهم دهاة‭ ‬السياسة‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬العربي‭ ‬والعالمي، ‭ ‬الأمر الذي جعل منه محطة للتشاور وتبادل الآراء مع أقرانه من الشخصيات العالمية ملوكاً ورؤساءً وشخصيات سياسية وفكرية وثقافية...إضافة إلى تمتعه بثقافة موسوعية. فضلاً عن ذلك، كان رائداً في مجال العمل السياسي في الشرق الأوسط ... إذ انخرط في عالم السياسة منذ بداية شبابه استوزر، وعمل في السلك الدبلوماسي كسفير للمملكة في فرنسا...اتسم بالعقل السياسي الواقعي والعقلاني...وعلى الرغم من أنه عاش في خضم ظروف شائكة ومعقدة في الشرق الأوسط، تمور بالمؤامرات والانقلابات والحركات الراديكالية...لكنه لم يتأثر بها بقدر ما كان يرسم ستراتيجيته العصامية التي سبق الآخرين بقراءته المشهد السياسي في بعده الاستراتيجي. لذلك سعى بجهد عال للارتباط بالحداثة بوصفها الوسيلة الوحيدة لبناء الدولة وجعل المملكة في مقدمة دول الشرق الأوسط، ومن الدول التي يشار إليها بالبنان كواحدة من ضمن أهم دول العالم...فكان له تأثيراً فعالاً في رفد أخوته من ملوك وأمراء المملكة العربية السعودية بالمشورة والحرص على تماسك العائلة المالكة. كان يجري المقابلات الصحفية والتلفزيونية بكثافة، ويحاضر هنا وهناك، يتنقل بين الدول المختلفة التوجهات السياسية والاقتصادية يغني تجربته بالاطلاع على تجارب الآخرين، ويغني محاوريه بالرؤى والأفكار.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

ارتكزت أولوياته بضرورة الاهتمام بواقع الطفل وتطوير ممكناته إضافة إلى التعليم العالي وعلى وفق ما يجري في العالم المتحضر الذي يتطور بشكل فائق السرعة، كذلك أولى اهتماماً خاصاً بعالم المرأة، وحقوق الإنسان، والإيمان بالتنوع والتعدد، وكانت له قناعاته وحساباته بشأن الجانب الاقتصادي حيث لعب دوراً مؤثراً بانضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية. وفتح البنوك وتشجيع عمل المشاريع الصغيرة...وله مساهماته وتوجيهاته بما يتعلق بوسائل الإعلام...

أما في الجانب الاجتماعي، كان نبيلاً صادقاً متواضعاً دمث الأخلاق، بسيطاً بساطة الكبار، قريباً من الجميع صغيرهم وكبيرهم، مهتماً بهمومهم وقضاياهم المصيرية، ومتسامحاً مع المختلف والمتعارض معه فكرياً، لم تغره الإمارة أو النفوذ والثروة أو أمور الدنيا ولم تكن ثمة مسافة بينه و بينهم ...عموماً كلما نقوله هو غيض من فيض ولا تفي هذه الكلمات المتواضعة والخجولة أن تعطي الإنسان حقه فالأمر بحاجة لكتب تغطي سفره الحافل بالإنجازات النوعية والمتميزة وعلى الصعد كافة.

المتعارف عليه عالمياً تهتم الدول بتخليد عظمائها عن طريق بناء المتاحف وتشكيل المؤسسات التي تهتم بإرثهم الفكري وتوثيق منجزاتهم أفلاماً وصوراً ومقابلات تلفزيونية وصحفية وغيرها. السؤال المهم ألم يحن الوقت لتفعيل هذا الأمر؟

وأخيراً نأمل أن يحظى المغفور له بالاهتمام الذي يستحقه، وإننا على يقين أنه يحظى بمحبة الجميع أمراء ومثقفين وعامة الناس.

* صحافية وباحثة عراقية