كان السؤال الذي تردد صداه منذ ان اعتلي ترامب سدة الجكم في الولايات المتحدة هو هل سيساهم وجوده في إذكاء نار التطرف في القارة الأوروبية؟ـ وهل تصبح الأقليات العرقية والدينية في القارة فريسة سهلة في يد المتطرفين والعنصريين؟.
بلا شك كان اليمين المتطرف في أوروبا وأمريكا في حالة نشوة وسعادة بترشح ترامب، وبعد أن تسلم السلطة عقدوا مؤتمرا دعو فيه قادتهم للإجتماع في مدينة "كوبلنز" الألمانية بعد حفل تنصيبه مباشرة، فيما أطلقت الصحافة على اجتماعهم آنذاك "مؤتمر الكراهية". وكان من من أبرز وجوه هذا المؤتمر عتاة اليمين المتطرف الأوروبي هارالد فليمسكى من النمسا، خيرت فيلدرز من هولندا، فراوكه بيتري من ألمانيا، هارالد فليمسكى من النمسا والذي خسر انتخابات الرئاسة وقتها بفرق 2٪ فقط، اضافة طبعا الى مرشحة ماري لوبان من فرنسا.
الرئيس الأمريكي رونالد ترامب ضرب بكل البروتوكولات الرئاسية السلمية المتعارف عليها في أمريكا عرض الحائط، وعرض أمن البلاد القومي للخطر من خلال خطبته المثيرة أمس، والتي رفض فيها نتيجة الانتخابات، وطالب مؤيديه بالتجمع، وحرضهم على عدم الإذعان لفوز بايدن، فيما انطلقت الحشود المؤيدة له لاقتحام مبني الكونجرس واحتلال مكاتبه وردهاته.
وكما أذاق ترامب العالم صنوفا من جنونه وظلمه الكثير، فقد أبى أن يترك مكانه دون أن يلطخ وجه الديمقراطية الأمريكية التي كانت مضرب الأمثال في تداول السلطة منذ تأسيسها سنة 1776، هذا الرئيس تسبب في فوضى غير مسبوقة في أمريكا والعالم، لقد اتهم كل شيء حوله بالزيف والتزوير، هو الوحيد الملهم، الانتخابات مزورة، الصحافة فاسدة، حكام الولايات منافقون ويناصبونه العداء.
إن هذه الشخصية الأنانية النرجسية التي لاتتهتم إلا بمصالحها، هي جديدة على الساحة السياسية الأمريكية، فمها كان الحاكم سلطويا لا يسلك أبدا مسلك ديكتاتوريات جمهوريات الموز التي لا تهتم بسمعة البلاد، ولا مصداقيتها أمام الرأي العالمي.
ترامب لم يكن أبدا أكثر من وجه بائس لديكتاتور من ديكتاتوريات العالم الثالث، التي تذيق مواطنيها الويالات، لقد وضع بصمته العنصرية في كل مكان منذ اليوم الأول لتوليه السلطة، وجدنا تضاؤل كبير في حقوق الإنسان حول العالم، واتسعت رقعة الفواصل بين أجناس البشر، وقويت الأحزاب اليمنية الأوربية، وو صل المتطرفون إلى سدة الحكم في العديد من الأقطار، وقبل هذا وذاك تم سحق الباحثين عن فرص للعيش في أوروبا أو أمريكا.
إن ما وصل إليه ترامب من عبث كان متوقعا منذ أن وجهت أمريكا وأوربا أولوية عدائها إلى أعداء افتراضيين حاربتهم بسبب العقيدة، وافترضت فيهم الخطر الداهم الذي يهدد الحضارة الغربية، فيما كان اليمين والشعبوين الذين يبنون شعبيتهم علي كراهيتهم للآخرين بسبب العرق والدين يتكاثرون بسرعة، حتى أصبحوا كالسوس ينخر في أعمدة النظام الديمقراطي لتلك الدول حتى وصلنا إلى ما رأيناه اليوم من اقتحام للكونجرس، وإطلاق رصاص مات علي أثره رجل أمن وسيدة.
منذ أن ترشح ترامب للرئاسة تغير المشهد العام الذي كان سائدا من قبل وبدا هذا الرئيس مختلفا، يذكرك بكل ما هو سيئ، لاسيما تلك الحقبة النازية الكئيبة في ألمانيا والتي سبقت وصول هتلر للسلطة ، وهو الذي كان يركز في كل خطاباته علي الجنس الآري وتفوق العرق الألماني، وهو بالضبط ما فعله ترامب الذي ركز على أمريكا العظيمة وتفوق الرجل الأبيض، وهو ما منحه شعبية كبيرة أوصلته للحكم بالشكل الديمقراطي الذي وصل به هتلر للحكم أيضا.
شيء غريب أن تتبدل مشاهد اقتحام البرلمان بين القوى العظمى، وفي نفس الأزمات السياسية، لقد حدث نفس الاقتحام في روسيا سنة 1993، ولكن في شكل آخر، فمازلت أتذكر اقتحام قوات الأمن الروسية الموالية للرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين المدعوم من الولايات المتحدة آنذاك لفض الاعتصام الذي نظمه البرلمانيون المعارضون لحكومة يلتسين أثناء الأزمة الدستورية التي بدأت برفض الأعضاء قرار يلتسين بحل المجلس بسبب رفض تعديلاته السياسية والاقتصادية التي لم تكن تحظى بأي شعبية، وعلى إثر احتدام الأزمة أصدر يلتسين أوامره باقتحام البرلمان واعتقال من فيه دون أي معارضة غربية، إذ تمكن بعدها يلتسن من فرض سيطرته على الأمور تماما وبدأت البلاد تنفتح انفتاحا غير مسبوق تجاه الغرب حتى جاء بوتين الذي اعاد تنظيم البلاد مرة أخرى وأصبح ندا للغرب.
إن أسوء الدروس المستخلصة من فترة حكم ترامب هي أنه أصبح نموذجا يحتذى به في الديمقراطيات الهشة خصوصا في أفريقيا والشرق الأوسط، فهو دعم بشكل مباشر أو غير مباشر القادة المستبدين الذين سيستشهدون به كحاكم لأقوى دولة في العالم لتبرير محاولاتهم التشبث بالسلطة وتبرير قمع السلطات للمتظاهرين المطالبين بالحرية والديمقراطية.
مما لا شك فيه أن ترامب أعطى اليوم المثل لحكام العالم المستبدين، وأصبح لهم في الولايات المتحدة الأمريكية الأسوة في الاستبداد.
بالتأكيد لا يمكن اعتبار الديموقراطية الأمريكية النموذج الأفضل في العالم فالانتخابات الأمريكية اتسمت في كثير من الأحيان بالفوضوية وإثارة الجدل خصوصا في عام 2000 عندما فاز جورج بوش في ولاية فلوريدا بأغلبية قليلة سمحت بوصوله إلى البيت الأبيض.
وفي عام 1960 زعم الجمهوريون وقتها بحدوث مخالفات ساهمت في فوز جون كينيدي، لكن المرشح ريتشارد نيكسون لم يطالب بإعادة فرز الأصوات كما يحدث الآن، وأهم ما يحسب له وقتها أنه قال إنه لا يمكنه التفكير في أن يعطي مثالا سيئا للدول الأخرى من أن يقول إن الرئاسة قد سرقت من خلال صناديق الاقتراع. . وهو ما لم يستطيع ترامب أن يدركه كرجل مسؤول.
لا أحد في هذا العالم يستطيع أن يتفاءل بمستقبل هذا العالم في ظل جنون هؤلاء الحكام الذين يتزايدون يوما بعد آخر في الإمساك بحكمه، ولا نملك نحن الشعوب إلا الانتظار والترقب.
التعليقات