المفاهيم والمصطلحات السياسية ليست مجرد مصطلحات عابرة لفظية لسانية، بل تعكس خلفها رؤية وتوجهات سياسية تبنى عليها سياسات الدول. والمفاهيم السياسية أقترنت بالفلاسفة والمفكرين على مدار العصور والمراحل السياسية وتعبر كل منها عن مرحلة معينه، أو تهدف لمثاليات سياسية يأمل الفيلسوف والمفكر أن يحققها.

هذا حال الحكام والقادة السياسيين. فترمب على سبيل المثال رفع شعار أميركا أولا، ورفع بايدن شعار عودة أميركا، وعبارة جون كيندى لشعبه "كيف تحبون أميركا"، ومارتن لوثر "لدي حلم". ومقولة وعبارة الشيخ محمد بن زايد ولى عهد إمارة أبوظبى على بساطتها وقلتها "لا تشيلون هم" تحتاج منا إلى أن نقف وراء المدلولات العميقة التي تحملها هذة الكلمة، فهى تجسيد وخلاصة لسياسة الدولة منذ نشأتها على يد المؤسس الشيخ زايد، وترسى رؤية الدولة عبر خمسين عاما وعبر التطلع لخمسين عامًا قادمة، وهذة الكلمة هي التي تقف وراء نجاح الدولة، ولها بعدان داخلى وخارجى. والمخاطب فيها في الحالة ألأولى كل من يعيش على أرض الإمارات مواطنا ومقيما، وعلى البعد الخارجى تخاطب كل دول العالم وخصوصا الدول والشعوب الفقيرة.

أولا، هذة العبارة تعكس إلتزام الحاكم بالإستجابة لحاجات وتطلعات مواطنيه، تبعث على ألإطمئنان، وعدم الخوف من أوقات ألأزمات، وأن الدولة وما تملك من موارد لن تبخل على مواطنيها، وهذة تقابل في المصطلح العلمى القدرة الإستجابية للنظام السياسي والقدرة التكيفية، قدرة النظام على الإستجابة وزيادة هذة القدرة لكل التطورات والمتغيرات التي تطرأ على بيئة النظام السياسى، وفى نموذج دولة الإمارات هذه التطورات تفوق قدرة أي نظام ومتسارعة وكبيرة وتتسم بالشمول، فدولة بها أكثر من مائتى جنسية بثقافات وقيم مختلفة وأهداف واسعة ومتباينة لو لم يشعروا بأنهم جزء من الدولة التي يعملون عليها يمكن أن يتحولوا لمصدر تهديد لأمن الدولة وأستقرارها، وهذة نطلق عليها بالمفهوم السياسى التكامل السياسى وهى ذات دلالة مهمة في دولة فيدرالية مثل الإمارات؛ أن يشعر هذا الوافد أنة جزء من النسيج الوطنى والمجتمعى للدولة، ومن ناحية أخرى تخاطب المواطن نفسة الذى تقوم علية الدولة وتمكينة السياسى، وهى كفيلة بخلق ما يسمى بروح الإنتماء الوطنى والمواطنة الواحدة، والتي تعبر عن نفسها بحب وولاء وإنتماء المواطن لدولتة وقيادتة وهى ثمرة سياسة المؤسس الذى أعتبر الإنسان هو أساس ثروة الدولة وتقدمها وهذة تقابلها بمفهوم الإندماج السياسى الذى هو أساس نجاح دولة الإمارات وإستمرارها كدولة إتحاديه.

هذة المواطنة لا تتحقق الا بإحساس المواطن أن القائد قريب منهم، ويجسد تطلعاتهم الوطنية بتربيتهم وتنشئتهم وطنيا، وهذا لا يتحقق إلا من خلال إحساس المواطن أنة يعيش في دولة تتساوى فيها المواطنة في الحقوق، وهذا يتجسد في الخدمات التي تقدمها الدولة وفى مشاريع الرفاة التي يتمتع بها المواطن وإحساسة انة غير قلق على نفسة وعلى أسرتة من الغد، فالدولة توفر لة كل الخدمات، وتشعر المواطن أنة جزء من ثروة الدولة، وتوفر لديه كل إحتياجاته، وهذا ما جعل المواطن يشعر بما يسمى بالمواطنة السعيدة ويحتل على أعلى الدرجات في سلم السعادة ويفتخر بالإنتماء لهذة الدولة التي يحمل جنسيتها. وهذة العبارة لكى تتحقق تحتاج إلى بنية حكومية رشيدة، وبنية مساءلة ورقابة ومحاربة للفساد، فكيف يمكن لدول أن ينخر فيها الفساد مثلا أن تستجيب لمواطنيها وتفوق قدراتها سلم إحتياجاتهم؟

وفى العبارة إجابة لتفسير حالة الإستقرار وألأمن، والتلاحم والتفاعل بين المواطن الحاكم، وترجمة لمقولة كل حاكم محكوم وكل محكوم حاكم.

لا تشيلوا هم خطاب سياسى للمواطن والمقيم نجاح هذة الدولة لكم وأمنها أمنكم وتقدمها تقدمكم. وقد تكون دلالتها للمقيم كبيرة وتتعدى حدود الدولة فكم من الملايين الذين ينتظرون مساعدة أبنائهم في الدولة، فهى تنقل رسالة أعمق من العمل رسالة في الروح الإنسانية الواحدة، ولعل أبرز الأمثلة على دلالة العبارة عندما أجتاحت الكورونا كل دول العالم وخلقت حالة من الرعب والخوف، تخرج دولة الإمارات والشيخ محمد بن زايد ويقول للجميع لا تقلقوا، وهنا نجاح الدولة في توفير اللقاح في زمن قصير والقيام بعملية تطعيم للجميع.

فى البعد الخارجي العبارة تجسد روح الإنسانية والتسامح التي تحملها الدولة منذ نشأتها، فرسالتها واضحة لكل الشعوب والدول المحتاجة بأن دولة الإمارات وبما وهبة اللة لها من ثروة دولة مبادرة لتقديم المساعدات في كل ألأوقات وفى من النكبات التى تتعرض لها الدول وخصوصا الفقيرة منها.

هنا يسجل لدولة الإمارت انها الأعلى بين دول العالم في تخصيص نسبة عالية من دخلها القومى لمساعدة الدول، وكما رأينا في مواجهة الكورونا الدولة لم تفكر في نفسها وتنعزل عن العالم، بل أرسلت رسالتها "لا تشيلوا هم"، فأرسلت آلاف الأطنان من المساعدات الطبية لأكثر من دولة عربية او غير عربيه، وأرسلت ملايين اللقاحات التي خففت الآلآم عن هذة الدول، هذا وقد غطت هذه المساعدات 134 دولة، وأكثر من 1700 طن من المستلزمات الطبية وملايين اللقاحات. وبلغ ما قدمتة الدولة عالميا 80 في المئة من إجمالي المساعدات الدولية للبلاد المتضررة، ومساعدة ما يزيد على 500 ألف شخص من الكوادر الطبية، ومساعدات نقدية لمنظمة الصحة العالمية تقد بنحو 10 ملايين دولار، ودعم 15 ألف كادر صحى و100 ألف عامل بالإمدادات الطبية في إيران وحدها، رغم سياسة إيران التدخلية في المنطقة وإحتلالها للجزر الثلاث للدولة.

وهنا اعطى مثالا سريعًا عن غزة المحاصرة التي يعيش فيها أكثر من مليوني نسمة يعانون الوباء ونسبة إصابات كبيرة، فكانت مبادرة إرسال الآلآف من اللقاح الذى خفف من حدة الوباء.

هذة العبارة يستحق عليها الشيخ محمد بن زايد ودولة الإمارات أن يمنحا جائزة الإنسانية كأفضل شخصية دولية في مجال الإغاثة الإنسانية. وستبقى العبارة هي التي تميز إنسانية وتسامح الدولة والتى تقف وراء تصنيف دولة الإمارت بدولة النموذج الإنسانى.