توازنات مَصالح سياسية وعسكرية واقتصادية تَفرض نفسها على الوجود الامريكي- الروسي في شمال شرق سوريا ، تلك التوازنات المدعومة ايضاً من المجتمع الدولي تُحافظ نوعاً ما على ابقاء الامور قدر الامكان ضمن اطار القرارات الدولية الهادفة لإيجاد تسوية شاملة وعدم افساح المجال لتفرد النظام او المعارضة في احتكار سوريا المستقبل ، الاحداث الاخيرة أثبتت ان هناك رغبة من الرئيس فلاديمير بوتين بالعمل لأبقاء تلك التوازنات سارية والحِفاظ عليها اكثر بكثير مما يُريدهُ الرئيس جو بادين ، تَدخلهُ لإيقاف الاشتباكات بين قوات الاسايش التابعة للإدارة الذاتية وميليشيات الدفاع الوطني التي حاولت زعزعة استقرار مناطق الادارة الذاتية في الفترة الماضية كان لمنع تدهور الامور نحو مواجهة مباشرة بين قسد والنظام السوري في المرحلة الراهنة ، الأمر الذي كان سيؤثر سلباً على الوجود الروسي في المنطقة ، لا سيما ان الاخيرة لا تملك اي تَرحيب شعبي من اهالي المنطقة لاحتضان قواعدهم وتحركاتهم العسكرية ، هيَ تستمد البقاء والشرعية من خلال مؤسسات النظام المتبقية ، الامر لا يختلف بالنسبة للقوات الامريكية التي تسير بأريحية مُطلقة وتأييد شعبي الناتج من دعمها لقوات قسد ، ذاك الدعم الذي يعود اليها بإيجابيه كبيرة كنوع من الشرعية ان وجود قواعدها نتيجة تحالفها مع قسد ضد تنظيم داعش الارهابي ، ما زالت قسد تُحافظ على آمنهم في مناطقها عسكريا وشعبيا من خلال انصار حزب الاتحاد الديمقراطي الذين يرحبون بتحركات تلك القوات ودورياتهم المتنقلة ، في حين هناك قلق وترنح الثقة من غالبية من الكرد بالدور الامريكي الذي لطالما اثبتت الاحداث منذ بداية الثورة انه غير معني بالتدخل بشكل حاسم لأنهاء مأساة الشعب من الحرب والدمار ، بالإضافة إلى ان طوال فترة وجوده عانت بعض شعوب المنطقة من سوء المعيشة والخدمات وفقدان الامان وهو ما لا يليق بهيبة الولايات المتحدة الامريكية التي دعت وعلى لسان رئيسها السابق وكِبار مسؤوليها ان الكرد حلفاء وشركاء لها ، وكان الشارع دوماً يتساءل هل من المنطق ان يكون شريك اقوى دولة في العالم لا يستطيع ان يؤمن قوت يومهِ وعائلتهِ وابسط حقوقه المشروعة ،؟.
بين هذهِ التوازنات التي ترافقها تعقيدات شائكة بين الحين والاخر ما زال التوتر قائما لعدم جدية موسكو وواشنطن في انهاء الازمة من جهة ، وما زال النظام في دمشق من جهة اخرى لا يستوعب ان السلاح ليس حل وان قبوله بالقرارات الدولية الصادرة من جنيف هو السبيل الامثل لأنهاء الحرب ، عودة سوريا تحت سيطرة الحزب الواحد وَهم وضَرب من الخيال ، الواقع تَغيرَ كثيراً ومن حق الشعب تقرير مصيره بعد ان دفع ضريبة باهظة الثمن وانهكه الصراع طوال عشرة اعوام وكل ما يتمناه هو السلام ، وما زال ممكنناً ومطروحاً تحقيق ذلك ان ارادت القوى العظمى ان تبني وطناً يعيش فيه الانسان بكرامتهِ مُصانا في أمان ، كل ما يلزمهم هو حوار مبني على اساس العيش المشترك واحترام حقوق كافة المكونات من قوميات واتباع الاديان والاقليات بمختلف انتماءاتها ، وقبل كل شيء احترام حقوق الانسان ...

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية