منذ اليوم الاول لهذه المواجهة بين اسرائيل وحماس كان واضحا انها لن تجد اي من الطرفين نفعا على المدى القصير ولن تؤدي الى تغيير جذري في المعادلة السائدة في غزة من استيلاء حماس عليها وطرد سلطة فتح منها. اسرائيل لم تنجح او على الاصح لم تشأ انهاء حكم حماس لكنها تريد وقف إطلاق الصواريخ على اراضيها ومنح حماس هامشا لإدارة القطاع مدنيا وتنظيميا وبوليسيا اما الوضع الامني العام فإسرائيل تريده بيدها وحدها، هذا الهدف لم يتحقق حتى الساعة. اما حماس فأرادت فرض معادلة جديدة تكون لها الكلمة الفصل في كل خطوة تتخذها اسرائيل في القدس والضفة وهذا ايضا لم يتحقق لها حتى الساعة.
من الصور الواردة من غزة ومن حجم الدمار يتبادر الى الاذهان قصف اسرائيل للبنان في العام 2006 وحجم دمار غزة الان غير مسبوق واسرائيل استخدمت في هذه الجولة قذائف وصواريخ وقنابل خارقة للدروع والاسمنت المسلح والملاجئ وللأنفاق حيث تظهر الصور الجوية تصدعات هائلة في بنية قطاع غزة الفوقية والتحتية الامر الذي ينذر بكارثة بيئية وسكنية وانسانية كبيرة جدا بعد صمت المدافع والصواريخ وهبوط المقاتلات الحربية والمسيرات في مطاراتها.
حماس كانت تستطيع انهاء هذه الجولة بعد إطلاق الصواريخ على القدس وتل ابيب وتحقيق مكسبا معنويا هائلا ومعادلة جديدة تضاف الى تصاعد قوة هذا التنظيم المدعوم من ايران, وكانت اسرائيل لتتلقف هذه التهدئة بكلتا يديها وبسرعة تجنبا لاستيعاب ضربات اخرى تؤثر سلبا على هيبة الجيش الاسرائيلي وعلى حظوظ نتانياهو في البقاء في سدة الحكم، الا ان الاصرار الحمساوي, غير المفهوم ربما, على اطالة الامد جعل من خطة كوخافي-غانتس لتدمير بنية حماس العسكرية امرا ممكنا وهذا ما حصل وبدأ تنفيذ خطة وزير الدفاع بيني غانتس ورئيس الاركان افيف كوخافي حرفيا وبشكل ممنهج وبموافقة اميركية ومتسع من الوقت لضمان أكبر قدر ممكن من تدمير الاهداف المرسومة مسبقا حيث يقول العسكريون المتابعون للأمر ان الجيش حقق نجاحات لا بأس بها بل حقق ردعا غير مسبوق بسبب الدمار الشامل لبنية حماس العسكرية وتشويش قدرتها العسكرية والصاروخية كما يرى هؤلاء.
ما يمكن استنتاجه مما يحدث ان اسرائيل الحقت ضررا كبيرا ببنية حماس العسكرية والتنظيمية عبر استهداف نشطاء حماس الميدانيين والحلقة الوسطى وما تحت من البنية العسكرية وليس فقط استهداف قادة معروفين مما جعل هؤلاء في حالة هرب وتنقل دائم يصعب على العمل العسكري المنظم ولكن مع الابقاء على قدرة صاروخية معينة لم يعتقد احد انها ستنتهي فجأة، للتذكير فقط لحزب الله في لبنان اليوم نحو مائة ألف صاروخ تغطي كل اسرائيل الا ان الحزب يمتنع بشكل كبير عن البدء باي مواجهة مع اسرائيل ولا يسمح باي هجوم من اراضيه ويعاقب الفصائل الفلسطينية التي تطلق الصواريخ على اسرائيل وهذا ما يراه الاسرائيلي الردع الحقيقي والفعلي اذ انه منذ 2006 وحتى الان لم يقم حزب الله باي مبادرة ضد اسرائيل انما دائما كان يرد على اعتداءات اسرائيلية فقط.
فاذا وصلت اسرائيل الى نفس المعادلة فإنها لن توقع على اي اتفاق تهدئة انما على الاكثر وقفا للنار بعد تيقنها ان الجانب الاخر سيحسب ألف حساب قبل المبادرة باي إطلاق للصواريخ وان الفصائل الاخرى سيتم ردعها من قبل حماس كما يفعل حزب الله في لبنان، لهذا الوضع تطمح اسرائيل ان تصل ويبدو انها ليست ببعيدة عنه كما يبدو من صورة الوضع, علما انها مستمرة في القصف النوعي, كما تصفه اوساطها العسكرية, والدعم الدولي لا يزال موجودا وحرية العمل ممنوحه لها حتى وان سمعت اصوات خافتة تدعو لضبط النفس ووقف الحرب, فهل ستكون حماس, التي "ارعبت" داخل اسرائيل, في نفس وضع حزب الله اللبناني بعد هذه المواجهة, هذا ما ستثبته الايام القادمة مع تقدم عجلة الدبلوماسية والوساطات الدولية والعربية لوقف النار.
التعليقات