بعد أن يدفن كل ضحايا هذه الجولة من العبث بإنسانية الشرق، سيبقى نتنياهو وحماس واقفين ليتفاوضا بأرواح جديدة في جولة قادمة من العدمية السياسية. ليست مأساة مواطني الشيخ جراح من فجر هذه الجولة من القتل العبثي واللا-أخلاقي، وليست مسيرة توحيد القدس التي دعت اليها الأحزاب اليمينية الإسرائيلية المتطرفة، من فجر المواجهات بين المقدسين وقوات الأمن الإسرائيلية في الحرم القدسي. من يتحمل كل ما تقدم هما رئيس وزراء إسرائيل الفاقد للأهلية القيادية على وطنية، وحماس التي لم تقدم غير البؤس لسكان غزة منذ استولت عليها بقوة السلاح.

مواطنو الشيخ جراح ممن يحاول المستوطنون اجلائهم، هم مواطنون إسرائيليين عرب او عرب تحت الاحتلال، ومن يحاول اجلائهم يهود إسرائيليين، وهى ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ولا يمكن أن يسمى ذلك الفعل الا قبول الدولة ممارسة التميز ضد بعض مواطنيها بغض النظر عن الموقف القانوني مقارنة بما استتبع من كلف الدم والفوضى. الحراك المدني السلمي هو من فرض على القضاء التدخل وتأجيل الاخلاء القسري لمدة شهر، وقبلها نجح المقدسيون عبر حراكهم المدني من ارغام نتنياهو على رفع البوابات الالكترونية من امام بوابات الأقصى. وحتى قرار الغاء مسيرة توحيد القدس من قبل الأحزاب اليمينة الإسرائيلية كان نتيجة الحراك المدني السلمي للمقدسين.

التوافق التكافلي الانتهازي من قاد لهذه المواجهة الجديدة وليس الأقصى او الشيخ جراح، فأن اشتكى الإسرائيلي من صواريخ حماس، ليسأل رئيس وزراءه من اين يأتي التمويل لحماس وهو تنظيم مصنف "إرهابيا" حتى من غالبية الدول العربية. ولماذا يصر نتنياهو على استدامة حماس سياسيا في غزة عبر تمويلها من الدوحة وبضغط من تل ابيب. وان كانت حكومة نتنياهو مصممة على محاربة الإرهاب، اذاً لماذا لا تضغط على الدوحة كي تقدم الأموال القطرية لمنظمات مدنية فلسطينية او دولية تعنى بالشأن الإنساني والتنموي لفلسطيني غزة.

المواجهة الحقيقية ليست على الحدود الفاصلة بين غزة وإسرائيل، بل تدور على الحدود العرقية داخل إسرائيل، اي بين عرب ويهود، ورحى الدم هذه تستدعى التدخل الفوري والمباشر للدولة بدل قض الطرف عن سلوك المستوطنين في المدن المختلطة داخل إسرائيل. يهود وعرب يقتتلون، وقضاء يبرأ قاتل شاب إسرائيلي بعد اقل من ٤٨ ساعة من توقيفه، فقط لأن القاتل إسرائيلي يهودي، والضحية إسرائيلي عربي. ازمة إسرائيل هي ازمة هوية، فهل ستنجح في أن تبقى دولة علمانية في حين تمارس الاستيطان القسري، وتشرعن يهودية الدولة وتدعى الديمقراطية. الوصول لهدنة بن نتنياهو وحماس ليس بالأمر المستبعد (ان لم يكن قد حدث قبل نشر المقال) ، الا أن الجبهة الداخلية المشتعلة عرقيا هي التحد الأكبر امام الجميع. فهل سيستثمر نتنياهو الازمة سياسيا، بالتأكيد نعم، وكذلك حماس.

التطور الأهم هنا، هو اعلان الرئيس السيسي عن مشروع إعادة اعمار غزة، وليس ما رصد لذلك هو بيت القصيد بل دور مصر القيادي في هذا المشروع. فهي قادرة على تقديم النموذج وكذلك لعب دور الضامن للاستقرار، ومصر كانت اكبر المتضررين من انعدام التنمية والاستقرار في غزة. والقبول باستدامة ذلك يجب أن لا يقبل لأكثر من سبب واولها الواقع اللاإنساني الذي يرزح تحته اهل غزة. واللاأخلاقي نتيجة وقوعهم تحت سلطة محُتلين (إسرائيل وحماس)، وكليهما يماثل الآخر في توظيف أدوات القهر.