دخل وعيناه على لائحة الأسعار المعلّقة، بصوت عال ومتفاجىء من ارتفاع السعر، ذكر سعر منقوشة اللحمة... وأمه تقول له عُد إلى الوراء.. عاد ليخفّف عن نفسه هول المفاجأة لا لا بـ 1500... والأم تقول له عُد إلى الوراء... لا ليست بـ 1500، هي أضعاف الأضعاف وتلك الأم المحرجة قد لا تكون قادرة على شرائها لولدها... في هذا البلد حتى المنقوشة لم يعد بمقدور الكثير من الناس تحمّل كلفتها!
من لا يستطيع أن يشتري منقوشة لحمة لولده قد يكون بمقدوره شراء منقوشة زعتر ولكن هناك الكثير من المواد التي لم يعد بمقدور الكثير من اللبنانيين الحصول عليها، من ضمنها حاجيات أساسية، كالزيت مثلاً... هذا عدا عن الأشياء التي انقطعت من الأسواق، والدواء ليس باستثناء!
طابور من السيارات أمام محطات البنزين، مشهد بات يتكرر ويزيد في يوميات هذا الشعب البائس... ينتظر وينتظر ليتصدّق عليه أصحاب المحطات ببضع ليترات من البنزين الذي لا يتوقف الساسة عن التهديد بأنه سيُرفع عنه الدعم، وقد لا يعود بمقدور الشعب تحمّل تكاليفه.
الكهرباء... ماذا نخبركم عن الكهرباء التي باتت تأتي كالزوار لبضع ساعات يومياً؟ والحال عينه مع ساعات التغذية من المولدات الكهربائية، والتي تحوّل أصحابها إلى سلاطين لهم الأمر والنهي ويحددون لك ساعات السهر والا تكمل سهرتك على الشمعة... نعم، نعم، نحن في القرن الواحد والعشرين واللبنانيون يعتمدون على الشمعة لتضيء ما عتمه الحكّام في قلوبهم وحياتهم؛ فالكهرباء، أكبر مزراب للهدر بالدولة اللبنانية لا تزال مشكلة المشاكل. ويأتيك رموز الفساد الذين وعدوا من أكثر من 15 سنة بكهرباء 24/24، ومنذ ذلك الحين يسرقون الدولة بصفقات بواخر وغيرها، يأتيك هؤلاء ويحاضرون بالعفة!
بورصة خسارة الليرة اللبنانية لقيمتها وصلت إلى 90 في المئة في بلد يقوم على الاقتصاد الريعي، بلد يستورد كل شيء، حتى ما يُنتجه يشتريه وبالدولار.
عن ماذا نتحدث؟ عن الودائع التي اغتصبها أصحاب المصارف ويذلون أصحابها على أبوابهم ليعطونهم ثلث قيمة دولاراتهم وبالليرة اللبنانية! سعر صرف الدولار وصل إلى 14 و15 ألفاً والمصارف تعطي بضعة مئات من الدولارات على سعر صرف 3900، بضعة مئات شهرياً، لا أكثر! لا وهيدا ليس كل شيء، خرج المصرف المركزي مُهدداً اللبنانيين بتوقيف القرار بالسحب على 3900، مما يعني العودة إلى سعر الصرف القديم 1500... ماذا فعل اللبنانيون؟ وقفوا بطوابير جديدة أمام الصرافات الآلية آملين أن يحصلوا على ثلث أموالهم بدل تبخرها كلياً! فوق اغتصاب حقهم، يُذلون ليأخذوا قطرات منه! وحاكم المصرف، الذي أثبتت تحقيقات استقصائية صحافية استغلاله لمنصبه وجنيه ثروة بالمليارات، لا يزال في منصبه يأمر وينهي!
بضعة أشهر ويسجّل عداد الزمن سنتين من إذلال اللبنانيين، بعد سنوات من سرقتهم، بداية بالخفاء ومن ثم على عينك يا تاجر! كل ذلك ولا يتحمل أي من هؤلاء الساسة مسؤولياتهم، لا يزالون يختلفون على الحصص تارة تحت مسمى الحقوق وتارة أخرى نكايات على قاعدة "القحباء التي تحاضر بالعفة"... فاسدون يحاضرون بالوطنية والأخلاق، والبلد وشعبه المغلوب على أمره يدفعون الثمن.
في الدول التي تحترم نفسها لا يسمحون لك باقتناء حيوان اذا لم يكن عندك بيئة مؤهلة له، وفي بلدنا شعب بأكمله محكوم بأشخاص غير مؤهلين لتطلق عليهم صفة انسان.. شعب يظن نفسه في حضن وطن، ولكن الحقيقة أنه ينتهشه الذئاب في غابة، الغلبة فيها للأشرس!
في العادة، يلجأ الانسان للقضاء ليحاكم من يغتصب حقه أو يتسبب بأذيته؛ لمن يلجأ هذا الشعب الذي أجبروه على عيش الأمر الواقع؟ هذا الشعب الذي حدوا تفكيره بكيف يؤمن أبسط حقوقه كإنسان، حاجياته اليومية!
ولكن يا شعب اطمئن، فالسياسيون خزنوا المواد الغذائية وسيفرجون عنها قريباً مع الانتخابات النيابية، وعندها ستعبّر لهم عن شكرك بإعادة انتخابهم!
كنا نظن أن زمن الاستعباد ولّى... كنا نظن أننا وصلنا إلى زمن التحضر.. ولكن في هذا الوطن... بئس ما ظنننا!
التعليقات