في علم السياسة والتحضر والتمدن ورد بمعنى مختصر ومفيد ان الدولة تبنى لحماية حقوق العامة من اصحاب الدخل المحدود والفقراء والمحتاجين من السيطرة المتوحشة للاثرياء واصحاب الاموال، وبالحقيقة لم تبنى الدولة لحماية مصالح الاغنياء والاثرياء لانهم بامواله قادرون على توفير كل شيء لهم، بينما العامة لضعف حالته المالية لا تقدر على توفير مستلزمات الحياة والمعيشة لهم، لهذا جاءت الدولة لرعاية العامة وتنظيم الخاصة من الاقلية الثرية للسيطرة على وحشيتهم وجشعهم وتسلطهم.
ولكن في االعراق وفي اقليمم كردستان، فان الدولة لم تبقى وجود سياسي وانساني لها، فهي قد ابتلعت من قبل الاثرياء الفاحشين من الساسة الفاسدين المارقين في بغداد واربيل، والتوازنات القائمة في ظل الدولة لاقامة المساواة والعدالة بين المواطنين جميعا وبين العامة والخاصة قد تلاشت ايضا تماما، وتهاوت ايضا ارداة حماية حقوق العامة من سطوة الخاصة، فالاخير بات يسيطر كليا على الهيكل المنخور القائم للدولة العراقية، ولكن الجديد في المنظور السياسي ان السلطة القائمة بها مسخرة فقط تماما لخدمة ورعاية مصالح الاثرياء والاغنياء الفاحشين والدولة مبتلعة من قبلهم ولا حضور ولا ارادة لها الا لخدمتهم وذلك من خلال ابتلاع مواردها وثرواتها وممتلكاتها، وما الحكم الفاسد القائم في بغداد واربيل الا نموذج صارخ لهذا النظام القائم على ابتلاع جميع حقوق العامة دون استثناء وبارادة راسمالية جشعية كاملة.
والدليل على ابتلاع الدولة العراقية من قبل الاقلية الخاصة التي تملك كل الارادات السياسية الحاكمة الفاسدة، هو ما حصل في حكومة الكاظمي ووزير ماليته العلاوي، حيث تم بقرار جائر وعدواني وعاصب لحقوق الاغلبية الفقيرة من العراقيين ابتلاع الدينار وانزال قيمته النقدية والشرائية لصالح رفع الدولار الامريكي لرعاية مصالح الاقلية الحاكمة في بغداد واربيل والتي تملك تسعين بالمئة من حجم الكتلة المالية بالعراق.
فخلال فترة اقل من تسعين يوما فقدت العملة العراقية ستين بالمئة من قدرتها وقيمتها الشرائية، والحكومة تفتخر بذلك وتبرر انها انقذت الاقتصاد على حساب الغالبية من الفقراء في العراق والاقليم، وتتحجج انها وفرت اكثر من عشرين مليار دولار لتقليل العجز المالي في الموازنة السنوية العامة، ويبدو ان السياسة المالية السائدة تطبيقها مبنية على حساب الحاق الضرر الهائل المتعمد بالحالة المعيشية والحياتية للغالبية العظمى من العراقيين الذين لا يتجاوز دخلهم الشهري نصف مليون دينار.
ومهما تكن من تبريرات اقتصادية ومالية وسياسية للجوء الحكومة ووزارة المالية لتخفيض قيمة الدينار مقابل رفع سعر الدولار الامريكي، فان النتائج السلبية القاتلة التي تمخضت عنها تعتبر بالحقيقة بكل الحسابات القانونية والدستورية والانسانية جريمة كبرى مع سبق الاصرار ارتكبت بحق العامة وخاصة الفقراء منهم والمحتاجين والمستضعفين من العراقيين في عموم المحافظات وفي اقليم كردستان.
وحسب الموازنة السنوية العامة لسنة 2021 فان الاجمالي يبلغ 129 تريليون دينار والعجز يبلغ 28 تريليون، وبهذا الرقم يصيب كل فرد حوالي 3 ملايين دينار كدخل سنوي، ولكن لا احد يستفيد من هذا الدخل لانهه لا يدخل جيب اي عراقي، والمستفيدون من الموازنة هم فقط القوى العاملة للرسمية بجميع السطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والبالغ عددهم حوالي 4 ملايين موظف مدني وعسكري حسب جدول القوى العاملة المرفق مع نص قانون الموازنة.
وهذا يعني بالمنظور العميق للسياسة والمال، ان لا مجموعة سكانية غير القوى االعاملة مستفيدة من الموازنة السنوية الاتحادية المقدرة على اساس عدد سكان البلاد حوالي اربعين مليون نسمة، وان نسبة الاستفادة السكانية فقط هي عشرة بالمئة، اجل عشرة بالمئة، واما النسبة الباقية تسعين بالمئة فلا يعرف اين تذهب، وايت ترحل، واين تسوق، واين تصرف، وهنا يتبين لنا كم الدولة مبتلعة، وكم ارادات الشر مسيطرة على مصير العراقيين من الشيعة والسنة والكرد، وكم ارادات الخير غائبة، وكم النظام القائم في بغداد واربيل مسخر لخدمة الاقلية الحاكمة المارقة الفاشية، وكم العراقييون مخدوعون بالحكم والانتخابات والديمقراطية المزيفة المفروضة عليهم لحماية كراسي العصابات والمافيات السياسية الحاكمة باسم الاقلية والخاصة.
والمشكلة الاكثر ايلاما ان العراقيين اصابتهم طعنات اقتصادية عديدة من جراء الخطوة العدوانية المدمرة بخفض سعر الدينار، وهي خطوة غير مشهودة لها في تاريخ العراق، حيث نتج توازيا مع خطوة رفع سعر الدولار الامريكي مقابل الديناار العراقي بنسبة 20%، زيادة في اسعار الارزاق والمواد الغذائية والادوية والعاقير الطبية بنسبة 25%، وزيادة في اسعار الخدمات العامة بنسبة 15%، وبالتالي وصلت نسبة الفقدان الحقيقية للقدرة الشرائية للدينار 60% بالتمام والكمال، وهذا يعني ان الرواتب عندما تستلم هي بالحقيقة بنسبة 40% من القيمة النقدية الشرائية لها في الاسواق، وهذا يبين ان الكتلة المافيوية من الحكومة والاحزاب والكتل النيابية والاثرياء الفاسدين قد سحبت وامتصت 60% من الكتلة المالية من جيوب المواطنين بدون اي مجابهة متسمة بالعنف او الضغط، وهذه الخطوة تحمل قدرا عاليا من الذكاء الشيطاني، خاصة وانها تتزامن مع زيادة نسبة رفع سعر الدولار بنسبة 5% كل شهر، وبالتالي وبهذا الدهاء الخارق فان سعر صرف الدولار من المحتمل جدا ان يصل الى 1600 وثم الى 1800 وثم الى 2000 وثم الى 30000، وهذا الاحتمال قريب لان الفئة المتسلطة الحاكمة في بغداد واربيل والبيئة السياسية التي زرعت بعد الفين وثلاثة لا تحتوي على اية بذرة وطنية، وهي فاقدة لكل المعاني الانسانية، وهي التي جردت الدولة من ادواتها وابتلعتها تماما لكي لا يكون لها اي حضور باسم بلاد الحضارات.
حسبنا الله ونعم الوكيل، والله من وراء القصد..