قضية الصحفيين والاعلاميين والناشطين في بهدينان باقليم كردستان العراق، فتح الباب امام مصراعيها من جديد للكشف عن المظالم والمعاناة والمخاطر التي تتعرض لها هذه النخبة الوسيطة بين الشعب والسلطة، بين نظام الخاصة والعامة، بين الدولة والمواطن، بين الحاكم والمحكوم، بين الرئيس والمرؤس، لهذا ولاهميتها في العالم الحديث تعتبر السلطة الرابعة بعد السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتحتسب لها اعتبار معنوي وقانوني ودستوري كبير على جميع الأصعدة الحكومية والمدنية في المجتمعات الديمقراطية.
وضمن هذا السياق، ولكي نلج في قضية التعبير الحر والرأي الاخر، وحق الصحافة والاعلام والنخب المهنية الممثلة لها بهذا الحق السامي والقانوني والدستوري، لابد من التأكيد على المهنية والموضوعية، ولابد من عرض مسألة حق التظاهر والاحتجاج السلمي للمواطنين والمكونات المدنية والثقافية والاجتماعية كحق طبيعي ودستورى للانسان يوجب احترامه على جميع الاصعدة الرسمية، ولابد من التأكيد على مشروعية واحقية النخب المهنية والمدنية بالعمل الحر واالموقف السلمي وفقا لنصوص الدستور العراقي الدائم ووفقا للوائح اممية ودولية، وما تتعرض له بعض المكونات الصحفية والاعلامية واصحاب الرأي الحر من معاناة واضطهاد في الاقلييم، باتت تجاوزا على الحقوق الدستورية والمواثيق الدولية واللوائح الانسانية، وهي تحسب كخروقات لحقوق الانسان، ولو ان االاولوية تستدعي منعها وعدم تكرارها، ومحاسبة مرتكبي ممارسات الاضطهاد والقمع بوجه اصحاب الراي الحر وبوجه الناشطين المدنيين.
واليوم نعرض حالة ميدانية عن الحالات العديدة التي ينعرض لها اهل الصحافة والرأي من الاضطهاد والقمع الحزبي والحكومي، وهي نموذج صارخ مليء بالمعاناة والضغوطات والتهديدات التي تمارس ضد بعض اصحاب مهنة المتاعب والمخاطر في الشرق الاوسط وفي الشرق الادنى وفي بلدان العالم الثالث، ومنها العراق بصورة عامة واقليم كردستان بصورة خاصة.
وامام الجهات المعنية في العراق وفي الاقليم، سنعرض نموذجا من حالات الارهاب الفكري والمعنوي والمادي المرتكب ضد بعض الكتاب والصحفيين والناشطين المدنيين بكردستان، وذلك لبيان السياسات الخاطئة للسلطة الممثلة للحكومة والحزبين الحاكمين بالاقليم، والتي تتسم بالقمع والاستبداد والتسلط والدكتاتورية المقيتة، والنموذج يحوي كشفا لاعتداءات وممارسات قمعية وابتزازية ارتكبت من قبل من السلطة تجاه احد الكتاب الصحفيين، وهو من ااصحاب القلم والفكر الحر، وذلك خلال اكثر من سنوات عقدين من الزمن، والمقصود به تواضعا هو رئيس التحرير السابق لـ "مجلة بغداد حاضرة الزمان"، وهو احد الكتاب الكرد بالعربية على الصعيدين العراقي والعربي.
وامعانا في التأكيد، فان الممارسات القمعية المرتكبة بحق اصحاب القلم والتعبير الحر والرأي الاخر من الصحفيين والكتاب والناشطين، تبدو انها مدروسة ومقصودة لاحراجهم وتخويفهم وترهيبهم، وخاصة المدنيين القائمين بالحراك السلمي والاحتجاج المسالم لعرض المطالب والمظالم للمواطنين والمطالبة بحقوقهم القانونية والشرعية والدستورية المغتصبة.
ولا شك فان الموقف المعارض للكاتب المعني صاحب القلم الحر والرأي الناقد بالمقالات والتحليلات لم تأتي من فراغ، بل اتت نتيجة الفساد الرهيب للحكومات والحزبين الحاكمين برئاسة البرزاني والمرحوم الطالباني، وذلك من خلال النهب المتواصل للثروات والممتلكات والمال العام، وذلك نتيجة للسياسات المافيوية التي تتبعها السلطة الحاكمة في الاقليم.
ولابد ان نبين ان اهم المقالات التي نشره الكاتب كانت في سنوات 2007 و2009، حيث اقترح فيها استقطاع نسبة 5% او 3% من الايرادات السنوية لحكومة الاقليم، وذلك كاحتياط وطني نقدي تحوطا للمستقبل، ولكن لم يلقى الاقتراح اذانا صاغية.
بعد هذا السرد، ولكي نكون على خطى الحقيقة المجردة، نلخص ابرز الممارسات الخاطئة والمتسمة بالقمع للسلطة الحاكمة التي تعرض لها الكاتب المعني، ومن منطلق الفخر والاعتزاز بالقلم الحر المقاوم للجور والظلم، سنسرد اهم المحطات التي ارتكبت بحقه ممارسات متسمة بالاعتداء على الحقوق خلال اكثر من عقدين والى يومنا هذا، وهي كما يلي:
(1): الموقع الالكتروني لحكومة اقليم كردستان نشر مقالا للكاتب بعنوان "مشروع دستور علماني لعراق فيدرالي" بدون ذكر الاسم لمدة اكثر من (14) سنة، من 14 تموز 2005 الى 12 تشرين الثاني 2019، وهذا العمل اللاقانوني هو بالحقيقة خرق فاضح لحقوق الملكية االفكرية وتعدي صارخ على حقوق كاتب صحفي.
(2): عند نشر مقال للكاتب بعنوان "مملكة اليشماغ الاحمر في كردستان العراق" سنة 2012، تعرض بعده بأيام قليلة ليلا الى تهديد مباشر بتشهير السلاح عند العودة للبيت من قبل شباب ملثمين، حيث هدد بالقتل اذا لم يتوقف عن انتقاد البرزاني.
(3): استنكارا وتنديدا للسياسات االفاسدة لحكومة الاقليم وفي سنة 2012، طالب الكاتب من موقعه النقابي مع بعض زملائه باعفاء وزير فاسد بالحكومة ومدير عام مع المطالبة باجراء اصلاح وتغيير، فتعرضوا بالمقابل الى اجراءات ادارية قاسية، تسببت باضرار معنوية ومادية.
(4): الاعاقة بالوظيفة واصدار عقوبات متتالية دون وجه حق، تلبية لاوامر مجموعة مافيوية تحكمت بالوزارة التي ينتسب اليها الكاتب، وهذا الموقف مماثل مع المئات من اصحاب القلم الحر المنتقد للفساد المتفشي في وزارات واجهزة الحكومة.
(5): غلق ابواب الاعلام المرئي واللامرئي، والضغط على القنوات الاعلامية الاخرى بعدم استضافة الكاتب، وخلق المشاكل للقنوات التي تبحث عن الحقيقة في اخبارها وتقاريرها وتحليلاتها، وعلى سبيل المثال في احد السنوات تم منع برنامج اقتصادي ناجح من قبل قناة تابعة للحزب الحاكم، وذلك بسبب اجراء المقدم والمعد مقابلة اقتصادية مع الكاتب المعني.
(6): بالرغم من اقرار الكاتب من خلال الاعلام والفضائيات في انتخابات 2017، بانه لم يرشح نفسه لغرض الفوز، وانما فقط لتبليغ رسالة سياسية الى قادة الكرد، وهي ان الاقليم يجب ان يطرق على باب بغداد ولا يطرق على باب انقرة او طهران، ولكن مع هذا تعرض الى تهديدات وحملة تشويه في صحافة وفضائية تابعة لحزب البرزاني.
(7): أول تهديد تعرض له الكاتب جاء من جريدة صادرة باسم باحد الحزبين الحاكمين في سنة 2007، حين وجه نقدا الى الحزب المعني وجريدته على بعض المواقف، واذا برئيس تحريرها يطلق تهديدا علانية بالقول"بانه سيأتي يوم سيعض فيه يديه"، ويظن ان التهديد تحقق في عمل لئيم ضد الكاتب، علما ان نص التهديد منشور بالجريدة.
(8): منع الحق القانوني للكاتب في نيل استحقاقه الوظيفي لدرجات اعلى رغم امتلاك البحوث وتوفر الشروط، ولكن لكونه ليس بحزبي ومن اصحاب الاراء الحرة فان استحقاقه يرفض.
(9): قيام وزارة بشخص مدير فيها ومجموعة في مديرية عامة بسرقة الجزء الكبير من نصوص مسودة قانونية معدة من قبل الكاتب، وتغيير التوازن المرسوم فيها بين الحكومية والشركات والنقابات، باتجاه تخريب قطاع اقتصادي مهم للاقليم.
بعد سرد تلك المعاناة لكاتب صحفي، وهي نموذج صارخ لما يتعرض له اصحاب القلم الحر في الصحافة والاعلام بالاقليم، وهي فيض من غيض، فان الغاية منه هو عرض الحقيقة الصادقة للالام والمعاناة التي يتعرض لها هؤلاء، وهو حال الجسد المدون بمآسي الاخرين الذين يعانون اشد المعاناة، وذلك مجرد نتيجة لعرض الحقائق لا اكثر ولا اقل، وهو مشهد متكرر على الساحة بالعشرات والمئات، وسجناء بهدينان مثل صارخ لعدم احترام الراي الحر والاحتجاج المدني، واصدار الحكم بحق الناشطين المدنيين والصحافيين دون مراعاة العدالة وحق الدفاع عن النفس كما ذهبت اليها المنظمات الدولية، ومنعهم من مواجهة اهاليهم الا لدقائق قليلة، بلا شك فان هذه الممارسات هي سياسة خاطئة ومعيبة على السلطة القائمة بالاقليم، والتحجج بعدم التدخل في السلطة القضائية غير منطقي، وذلك لان القضاء لا تملك اجهزة امنية تنفيذية خاضعة لها، ويبدو ان الاصرار على خرق حقوق الانسان والمواثيق الاممية والدولية بهذا الشأن، ليس بعمل محمود ومردوده قد يكون معكوسا تماما.
وبالختام لا يسعنا الا القول، حسبنا الله ونعم الوكيل، يا قاهر الظالمين والسلاطين الجائرين، والله من وراء القصد..