في كتابه "فن الإصغاء"، تحدَّث إيريش فروم عن ثلاثة مآخذ ونقاط ضعف يراها في نظريات سيغموند فرويد حول التحليل والعلاج النفسيَّيْن.
وأوَّل هذه المآخذ هو رأي فرويد في طبيعة المرض النفسيّ، والعوامل المؤدّية إلى تشكُّله.
ففي الوقت الذي اعتبر فيه فرويد بأن العُصاب نتيجةٌ لتضارب الغريزة مع الأنا، رأى فروم بأنَّ العُصاب نتيجةٌ لصراعٍ بين نوعَيْن من الأهواء اللاشعورية: الدوافع نحو الحياة والأخرى نحو الموت. وليست الأنا طرفاً في هذا الاشتباك، بل هي محقّقٌ لهذه الأهواء ليس إلا.
وعلى هذا الافتراض يقدِّم فروم نوعَيْن من العُصاب: أولهما عُصابٌ استجابيّ قابلٌ للشفاء، وثانيهما ما أسماه بالعُصاب الخبيث؛ الخبيث من حيث تكوينه ونواياه التدميرية الساعية للعودة إلى الوراء. وليست هذه النوايا والميول كالحسد مثلاً، والذي هو ميلٌ نحو الحياة، بل إنما هي نوايا تدميرية صرفة هدفها النكوص إلى حالة ما قبل الارتباط التناسليّ بالأم، والعودة إلى العدم واللاشيء!
وثاني تلك المآخذ، بحسب فروم دائماً، أنَّ فرويد ومن خلال طرائقه العلاجية وارتكازه على نظرية الليبدو، قد وضع المعالج النفسي موضع محامي الدفاع عن الآباء، وجعل الطفل كمجرمٍ صغير!
وسببُ ذلك إغراق فرويد في العلاج التوافقيّ مع المجتمع، وقولبة الفرد على هذا الأساس.
أما المأخذ الثالث فهو في الطريقة التي يحاول من خلالها فرويد -ومن بعده الفرويديون- شفاء العُصابات. فطريقة فرويد في وضع المريض على الأريكة وجلوس المعالج خلفه وغير ذلك من الطرائق تهدف إلى اصطناع الطفل.
والطرق الأخرى المتمثِّلة في توعية المريض لحقيقة وضعه النفسي تُخاطب الراشد!
وبذلك يسير الطفل من خلال العمليَّة العلاجيَّة جنباً إلى جنب مع الراشد ولا يلتقيان.
وعلى الرغم من أنَّ فروم في كتابة المذكور، والذي ترجمه إلى العربية محمود منقذ الهاشمي، يؤكد على حقيقة أن الشفاء لن يتم إلا باصطناع الطفل، وبنبش القاع اللاشعوري، وبجعل المريض مُستبصراً لعالمه اللاواعي، كما تصوَّر فرويد، إلا أنه يرى في المقابل بأنَّ خلْق الصدام ما بين الطفل والراشد في المريض أمرٌ في غاية الأهمية لتحصيل الشفاء.
باحث سوري في علم النفس التحليلي.
التعليقات