آفة الفساد متفشية في الدول النامية، التي من ضمنها الدول العربية، وفي بعض الدول الديمقراطية في الشرق والغرب، ولكن الفرق بينهما أنه عندما يكشف عن عملية فساد في الدول الديمقراطية يتعرض المتورطون في عملية الفساد لعقاب صارم بغض النظر عن مراكزهم الوظيفية أو مواقعهم الاجتماعية، وقد تسقط الحكومة إذا كان المتورطون من الوزراء. وعلى العكس من ذلك، ما يحدث في الدول العربية والنامية من غياب مبدأ الثواب والعقاب، وتساوي المحسن والمسيء، بل أحيانا يمتدح الشخص الفاسد، ويوصف بالحاذق والمتمرس، ولا ينكر عليه فعله من قبل المجتمع ولا يعاقب.

ملف الفساد لا يقتصر على بلد عربي بعينه، بل يشمل كل الدول العربية التي لم تنجح بعد في إلحاق الهزيمة بأخطبوط الفساد والمفسدين. تقارير الشفافية الدولية لا زالت تشير إلى أن منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا باقيتان بنسب متفاوتة مرتعا للفساد بسبب النزاعات وحالة عدم الاستقرار، وذلك لأن هذه الدول لا زالت غارقة في معارك محاربة الإرهاب والانقسامات الداخلية التي تستنزف جهودا جبارة كان من الممكن توجيهها ضد الفساد والمفسدين.

حتى قبل سنوات مضت كانت معظم الحكومات العربية، إن لم يكن جميعها، ترفض الحديث عن فساد المسؤولين والموظفين في وزاراتها، وخصوصا أصحاب المناصب العالية، على اعتبار أن مثل هذا الأمر يمس بهيبة الدولة ويضعف مكانتها سواء في الداخل او الخارج، وكان اقصى عقوبة ينالها هؤلاء المسؤولين أو الموظفون حين يسطون على المال العام أو يستغلون نفوذهم الوظيفي لتحقيق مكاسب شخصية هو إعفاؤهم من مناصبهم بهدوء، وطي ملفاتهم والسكوت عنهم (عفا الله عما سلف). لذلك استشرى الفساد واستفحل وترعرع في القطاعين العام والخاص، واصبحنا نرى موظفين صغارا يعيشون ويتصرفون مثل رجال الأعمال والأثرياء، ولا احد ينكر عليهم ذلك، أو يسألهم من أين لك هذا؟

من حق أي مواطن على حكومته أن تثق به، وتتيح له الفرصة لتقلد المنصب الوظيفي الذي يستحقه حسب مؤهلاته العلمية وخبرته العملية، وفي الوقت ذاته من حق الحكومة تقييم أداء هذا المواطن فيما أنيط به من مسؤوليات، ومن حقها كذلك معاقبته حسب القانون إذا سطا على المال العام بغير حق، أو استغل مركزه الوظيفي لتحقيق مصالح شخصية غير شرعية. ويجب ألا نضع اللوم على الحكومات عندما يخون المسؤولون الأمانة طالما تتم محاسبتهم ومعاقبتهم. قال تعالى: "ولا تزر وازرة وزر أخرى".

المهم أن تكون المعاملة متساوية في الثواب والعقاب، وأن يطول الحساب والعقاب الموظف الكبير قبل الصغير. الاعتراف بوجود الفساد ومعاقبة الفاسدين يعززان هيبة الدولة في الداخل والخارج، ويؤكدان مصداقيتها. يقول رسولنا الكريم "عليه وعلى آله افضل الصلاة والسلام: "إنما هلك الذين من قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإيما الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها". ورحم الله عبد الرحمن الكواكبي عندما قال قبل أكثر من مائة وعشرون عام: "الفساد أساس الاستبداد".

آخر الكلام: أصبح الفساد في الوقت الحاضر أحد أهم المواضيع التي يتداولها الشارع العربي بكافة أطيافه، حيث أصبح الفساد اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، الآلة الأكثر فتكا بالدول والشعوب، ابتداء من الفساد المالي والإداري في القطاعين الحكومي والخاص، وصولا الى الفساد في قطاعي التعليم والثقافة، وانتهاء بالفساد على المستوى الشخصي بين أفراد المجتمع.