قبل أيام، نشرت صفحة الأمم المتحدة تقريرًا يشير إلى أن تحديات الحصول على الماء في الشرق الأوسط وشمال افريقيا موجودة منذ آلاف السنين. وعلى الرغم من ذلك، فإن حجم الأزمة وتأثيرها لم يسبق لهما مثيل.

إن الزراعة هي الخاسر الأكبر من ندرة المياه التي سوف تتسبب في انعدام الأمن الغذائي، أضف إلى ذلك تأجيج النزاعات وتزايد عدد المشردين والهجرة.

يذكر التقرير أن شح الماء ستكون أغلبية ضحاياه من الأطفال في الشرق الأوسط من المجتمعات الفقيرة والمهمشة. لكن ماذا عن دول الخليج الغنية؟ هل تواجه تحديًا مماثلًا؟

لو نظرنا إلى جزئية تحلية مياه البحر، سنجد أن قرابة 48 في المئة من مياه البحر المحلاة عالميًا يتم إنتاجها في الشرق الأوسط، وتقع أكبر خمس محطات في العالم في دول الخليج، وتعتبر محطة رأس الخير في السعودية هي الأكبر في العالم تليها محطة الطويلة في الإمارات.

تحلية مياه البحر باهظة التكاليف، وكلما ازداد عدد السكان ونما الاقتصاد سيزداد استهلاك المياه، ويرتفع الإنفاق الحكومي لدعم توفير الماء بأسعار ملائمة، ولن نستطيع العيش في دولنا ذات المناخ الصحراوي من دون تحلية مياه البحر. السؤال: كيف نصل إلى الاستدامة في ظل هذه المعطيات؟

ماذا لو وجدت خطة ودعم حكومي لا محدود و فريق من أفضل علماء الكون لهدف واحد وهو إيجاد تقنيات وحلول عملية لإعادة تدوير كل قطرة ماء على الكوكب؟ أي أن الماء المستخدم لأي غرض كان سيعاد استخدامه لسنين قادمة، ليس ذلك فحسب بل أن الهدف الأول هو أن تصل نسبة هدر المياة إلى صفر.

ما سلف ذكره ليس بأمنية بل هو مشروع بدأ فعليًا في "نيوم" من أجل تحقيق الحلم الأول للإنسان للحفاظ على الماء نعمة الله التي جعلت كل شيء حي. وترجمت الرؤية إلى واقع، وكانت البداية في "تغيير مفهوم المياه من أجل المستقبل"، أي أن نغير طريقتنا في الوصول إلى الماء و الحفاظ عليه.

هذا المفهوم هو المظلة الكبرى التي تندرج تحتها قطاعات اقتصادية ضخمة، مثالًا على ذلك وليس حصرًا تحلية المياه من دون هدر، ومعالجة مياه البحر والأملاح، وتقنية خالية من الكربون، ومعالجة مياه الصرف الصحي، و إنتاج الطاقة، وتخزين مياه الأمطار و الاستفادة منها.

يقول جافين فان تندر، رئيس قطاع الماء في "نيوم": "سنجعل الماء يتدفق إلى الأبد، وسنجلب الماء من الهواء ونستغل طاقة الشمس والمحيطات من دون أن نمس الطبيعة بسوء".

هذه المعرفة و الاكتشافات الجديدة و التقنيات الحديثة لن تكون حصرية لشركة أو دولة، بل ستكون متاحة لكل الشعوب، فـ "نيوم" وجدت لخدمة الإنسان.

إن التغير المناخي هو الاسم السائد لساحة المعركة التي تخوضها الشعوب الآن لإيقاف استنزاف الموارد الطبيعية، أما إنقاذ كوكب الأرض الذي يستغيث فهو مسؤولية مشتركة، ولا يوجد كوكب آخر ليرحل إليه بنو البشر في المدى المنظور.

"نيوم" ستغير مفهوم الماء، وستحمي أهم ثروة بشرية. فالماء أمانة كبرى ستسألنا عنها أجيال المستقبل، ومن حمل هذه المسؤولية يدرك أن القيادة الناجحة لا تقف عند حدود الإبداع في الأفكار، بل تتجاوزها لتحول الحلم إلى واقع.

*علي الأحمد إعلامي وسفير سابق للإمارات في باريس وبرلين