من منبع العروبة من المملكة العربية السعودية تتمايل وتتراقص سُفُنْ الصحراء بالمحبَّة والشكر على وفاء السعوديين لها وتنتشي جذلاً على صوت حدائهم لها وتعزف أحلى سمفونيات الثناء ابتهاجاً بهذا التكريم السنوي والإحتفاء برفيقة الإنسان العربي ومحبوبته الأولى ألا وهي الإبل وماأدراك ماالإبل ؟ هي المدرسة المميزة في الصبر والتحمُّل هي صديقة الإنسان وحاملة َرَحْلِه وزاده ومتاعه يشرب درَّها ويأكل لحمها وينسج بيته وخباؤه من وَبَرِهَا فلذلك تغنى الأجداد بها من فجر التاريخ ابتداءً بأمرؤ القيس مروراً بطرفة بن العبد إلى ذو الرمة وابن الدمينة والرعي النميري وغيرهم الكثير والكثير وأجزم ويعلم غيري أنه لايوجد شاعر إلا وقد تغزَّلَ في القَلُوْصْ وذكر القَعُوْد والبكرة والبازل وابنة اللبون أرأيتم حسان حينما تَجَلَّى بواحدةٍ من أروع قصائده وأبدع فيها حينما وصف ملوك غسان بالجِمَال المراقيل البُـزَّلْ فقال :

لله درّ عصابةٍ نادمتهم

يوماً بِـجَلَّقَ في الزمانِ الأولِ

يمشون في الحُلَلِ المضاعف نسجها

مشي الجمال إلى الجمال البُـزَّلِ

وقد ذكرها الشاعر الشاب القدير طرفة بن العبد في أبيات مفعمة بكل معاني اللطف والأنس والبهجة حينما قال مخاطباً ناقته الصبورة :

وإني لأُمضي الهمّ عند إحتضاره

بعوجاءَ مِرْقَالٍ تروح وتغتدي

تُبَارِي عتاقاً ناجياتٍ وأتبعت

وظيفاً وظيفاً فوق مَوْرٍ مُعَبَّدِ

لها مرفقانِ أفتلانِ كأنَّما

تمرُّ بسلمى دالجٍ مُتَشَدِدِ

كقنطرة الروميّ أقسم رّبُّهَـا

لتكتنفنْ حتى تُشَادَ بقرمدِ

صُهَابِيَّةَ العُثْنِوْنِ مُوْجَدَةِ القَرَا

بعيدة وَخْـدِ الرجلِ موارةُ اليَدِ

وامرؤ القيس الملك الضِّلِيْل ذو القروح أطنب وتألق في نعت النوق المذللة وذكر مطيته في معلقته وقصته الطريفة مع ابنة عمه عنيزة وقد قالت العرب عنه هو أشعر الناس إذا ركب ومن صفايا أبياته ومنتخبات نتاجه الشعري قوله :

فدعَ ذا وَسَـلِّ الهمّ عنكَ بِـجَـسْرَةِ

ذَمُولٌ إذا صام النهار وَهَـجَرَا

تُـقَطِّعُ غِيْطَاناً كأن متونه

إذا أظهرت تكسى مُلَاءً مُنَشَّرَا

بعيدة بين المنكبين كأنها

ترى عند مجرى الضفر هِرَاً مشجَرَا

وقوله :

ويومَ عقرتُ للعذارى مطيَّتي

فيا عجباً من كورها المُتَحَـمَّلِ

فظل العذارى يرتمين بلحمها

وشحمٍ كَـهُـدَّابِ الدِّمَـقْسِ المُفَتَّلِ

تقول وقد مال الغبيط بنا معاً

عقرت بعيري ياإمرؤ القيس فانْـزِلِ

أما الأعشى صَنَّاجة العرب أبو بصير فقد قال أجود شعره في ناقته ورفع عقيرته وصَدَحَ بأنغامه العِذَابْ فأنشد وأجاد :

ذاكَ شَبَّهْتُ ناقتي عن يمينِ الرِعْنِ بعد الكلالِ والإعمالِ

وتراها تشكو إلي وقد آلتْ طليحاً تُحْذَى صدور النِعَالِ

وهذا الجارود بن حنش بن المعلى العبدي وقد وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في رجال من بني عبدالقيس ذوي آراء وأسنان وفصاحة وبيان وحجج وبرهان ومع كل ذلك العلم ومدى مبلغه فيه وهذه الصحبة المنتخبة إلا أنه لم ينسى وصف مسيرتهم ووفودهم بالمطايا العتاق الناجيات وتألق في قوله وحبّره تحبيرا كيف لا والمنعوت النياق الهِجَان ذوات الشأن الرفيع في وجدان فرسان الصحراء وهي تطوي القفار والسباسب وتجتاز المفاوز بكل نجاح واقتدار وتجنح إلى طمس المهامه الموحشة بِخِفَافٍ صِلَاب وكأن إرانها هذا استحال إلى نور بَدَدَ دياجير الظلام ونفى غياهب العدم التي أشبهته متاهات الصحاري والموامي الشواسع فشع من هذا النور الأثيري النشاط وتلألأت فيه القوة وجمح فيه العزم وتلاشى بسببه العجز فقال :

يانبي الهدى أتتك رجالٌ

قطعت فدفداً وآلاً فآلا

وطوت نحوك الصحاصح تهوي

لا تعدُّ الكِلالَ فيك كِلَالاَ

كل بهماء قَصَّر الطرف عنها

أرقلتها قلاصنا إرقالا

والإبل فوائدها ومزاياها وفضائلها لا تحصى فهي مُهُوْر الحرائر وديات القتلى ونواضح الماء وحاملات الميرة والغذاء وقد خاطبها العرب كثيراً وقضوا معها أوقاتاً ممتعة فهذا أبو الطمحان القيني القضاعي يحكي حال ناقته وهو سجين في مكة حينما رآها تحن لنجد ورِمْثِها وحَمْضِهَا ومراعيها المحببة للإبل فقال :

ألا حَنَّتْ المرقالُ واتَبّ ربها

تَذَكَّرُ أوطاناً وأذكر معشري

ولو علمتَ صرفَ البيوعِ لَسَرَّهَا

بمكة أن تبتاع ( حمضاً ) بإذخرِ

وهذا المثقبَّ العبدي يناجي ناقته الأَمُوْنْ ويُسْهِبْ في وصفها بدقة لا متناهية نذكر منها هذه الأبيات :

إذا ماقمتُ أرحلها بِـلَيْـلٍ

تَأَوَّهُ آَهَةَ الرجل الحزينِ

تقول إذا درأت لها وضيني

أهذا دينه أبداً وديني

أكل الدهر حلٍ وارتحالٌ

أما يُبْقِي عليَّ وما يقيني

وعُرِفَ عن الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه حُبَّهُ للإبل وقد غزى عليها بجيوشه في توحيد المملكة ولَـمّ شعث شعبها وتأسيس هذا الكيان الشامخ الذي أصبح مضرب المثل في وحدته وجماله وتناسقه وتجانس أهله وهو مصدر فخر للعرب قاطبة وكانت له نجائب الرِكَابْ من كرائم الهجن وغيرها من الأذواد والرعايا أما إسم ناقته الشهيرة فهو ( مصيحة ) واسم نجائب جيشه رِيْمَاتْ وقد قال الشعراء الشعبيين قصائد في غاية الروعة والجمال في وصف جيشه رحمه الله نذكر منها :

رَوَّحَنْ مثل القطا صوب الثميلة

ضُمَّرٍ تضفي عليهنّ العباةِ

ماورد في جيشنا مثل ( الطويلة )

تورد الضميان لو فيها حَفَاةِ

وقد جاء هذا المهرجان والإحتفال العالمي بالإبل كَرَدّ جميل من ابن الجزيرة العربية وعلى رأس المحتفين قائد الدولة وملك البلاد حفظه الله وسمو ولي عهده الأمين حفظه الله ولاعجب من هذا الوفاء والتتويج المليء بالمعاني الإنسانية الخالدة والقيم النبيلة الأصيلة الملامسة لشغاف القلوب الزكيَّة والطاهرة فهذا دأب قادة هذه البلاد الحبيبة في كل ماهو جميل ونبيل ، وقد أوكلوا إدارة هذا المهرجان إلى الشيخ فهد بن حثلين الذي أدار هذا المهرجان بكل كفاءة واقتدار تحت إشراف خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين حتى أوصله إلى العالمية .