هل العراق دولة ديمقراطية؟. الجواب: نعم. وألف نعم..

فالانتخابات تنظم فيها دوريا وكل أربع سنوات وأحيانا تجري إنتخابات مبكرة أيضا. وهناك تداول للسلطة سلميا. وكانت فيها الى حين وزارة تسمى (وزارة حقوق الانسان) تحولت فيما بعد الى هيئة مستقلة. وفيها شبكة رسمية للإعلام الحر وقنوات إعلامية متعددة. وفيها قطاع خاص حر وفرص إستثمار كثيرة. وهناك حرية للأحزاب في العمل السياسي. والدستور موجود ونافذ. إذن الحال في العراق هو عال العال ولا تختلف ديمقراطيته عن ديمقراطيات أمريكا وبريطانيا وفرنسا والسويد والدانمارك.

على نفس المنوال يتمتع إقليم كردستان بنفس مباهج الديمقراطية بل ويعد أكثر بهجة من القسم الآخر من العراق حتى أن هناك دعوات لنقل تجربة كردستان الفذة الى بقية أجزاء العراق والعالم من حيث توفر الحريات والتعايش السلمي بين المكونات.

كل ما ذكرت أعلاه هي موجودة ولكن على الورق فقط وعلى شاشات التلفزيونات المحلية والقنوات الإعلامية، أما الممارسة فهي شيء آخر.

فالديمقراطية في العراق أتاحت الفرصة أمام ظهور أحزاب طائفية مقيتة مغرقة في الكره والحقد على كل ماهو ديمقراطي وقبول الآخر. ولعل الحرب الطائفية التي شهدها البلد بين السنة والشيعة على إسمي (عمر وعلي) بين عامي 2006-2007 هي خير دليل على إفتقاد العراق للحياة الديمقراطية وعمادها حرية الفكر والعقيدة.

والديمقراطية في العراق أظهرت عصابات مافياوية وطبقات سياسية مغرقة في الفساد تستأثر منذ ما يقرب من عشرين عاما بكل خيرات البلد مانعة حتى فتات الموائد عن عموم الشعب.

والديمقراطية في العراق أنتجت مسلسل الإغتيالات بكواتم الصوت وقتل المتظاهرين والسماح بتهريب مئات المليارات المسروقة من أموال الدولة الى حسابات بنكية خاصة في الخارج.

والديمقراطية في العراق فوضت برلمانه بإستصدار قانون لتشكيل الحشد الشعبي الموالي عددا وعدة الى الولي الفقيه المرشد الأعلى في طهران.

أما في كردستاننا الحبيبة والتي ما زالت هي جزء من العراق الديمقراطي، فإن ديمقراطيتها تسمح لكل فرد من العائلات الحاكمة أن يكون لها جيش خاص مؤلف من ألوية وأفواج مليشياوية تتسلم رواتبها وسلاحها من الحكومة وهي غير خاضعة لأي قيادة عسكرية رسمية!.

وتسمح الديمقراطية في كردستان لرؤساء العشائر والعلائلات الحاكمة أن تستأثر بثروات الإقليم وتنهب وتسرق أموال وميزانية الدولة وتكون لها حصة في إيرادات الجمارك والضرائب!.

والديمقراطية في كردستان تسمح لقادة الأحزاب ورؤساء العشائر أن يؤسسوا لشركات عقارية ونفطية ويمارسوا الأعمال التجارية بما فيها إستيراد الأدوية وإنشاء المستشفيات والمدارس والجامعات وأن يعينوا أبنائهم رؤساء لتلك الجامعات!.

وفي كردستان هناك برلمان خاضع تماما لإرادة الحزب الواحد الذي يتمتع منذ ثلاثين سنة بالأغلبية البرلمانية عن طريق التزوير وتزييف الإنتخابات!.

وفي كردستان هناك فعلا حكومة تعددية مشكلة من الأحزاب والمكونات، لكن القرار الأول والأخير بيد السيد رئيس الحكومة وهو من الحزب القائد للأمة الكردية.

وفي كردستان هناك تعايش سلمي بين المكونات، ولكن حينما يداهم تنظيم داعش الإرهابي منطقة تابعة لأحد هذه المكونات فلا تمانع الحكومة من تركهم يواجهون مصيرهم بالقتل والسلب والسبي للنساء كما حصل للإيزيديين في سنجار.

وفي كردستان هناك فرص واسعة للعمل والإستثمار على شرط أن يكون العامل والمستثمر من قيادات أو أتباع الحزب الحاكم أو العوائل الحاكمة.

كردستان على الورق جنة الله على الأرض، تتفوق بجمالها على نعيم جنات عدن.

فكردستان اليوم في الحقيقة والواقع لا تستطيع بديمقراطيتها المبجلة أن تجهز بيوت المواطنين بأكثر من ثماني ساعات من طاقة الكهرباء، والحكومة التي تصدر أكثر من نصف مليون برميل نفط يوميا الى الخارج عاجزة تماما عن توفير نسبة صغيرة من وقودها لتشغيل محطات الكهرباء المتوقفة عن العمل بسبب شحة وقود التشغيل.

كردستان اليوم لا يستطيع المواطن في عاصمتها أن يخرج بمظاهرة ضد الفساد أو إحتجاجا على تأخر راتبه لأنه سوف يواجه الإعتقال والتعسف ثم الحكم لسنوات كما حصل لبعض نشطاء دهوك وأربيل.

كردستان البديعة بتجربتها الفذة تستأثر بحكمها عوائل تفتقر الى الديمقراطية حتى داخل إطار العائلة الحاكمة، والقاعدة تقول "أن فاقد الشيء لايعطيه".

هذا المقال فرضته دعوة الرئيس الأمريكي جو بايدن لدول العالم الى قمة "الديمقراطية" المنعقدة حاليا في واشنطن، فهل ياترى سوف يتذكر قادة المؤتمر الديمقراطية العرجاء في كردستان والعراق؟ أم سيكون المؤتمر أيضا مجرد حبر على ورق؟؟!!.