هناك رأي لفردريك معتوق يقول فيه: "مثلما هناك طريق ينبغي اجتيازه قبل إدراك المطالب، كذلك هناك طريق طويل يجب سلوكه قبل الوصول إلى التعبير عن تلك المطالب“.

فحقيقة المثقف في الأوطان العربية بائسة ولا يختلف بشأنها اثنان، فهو أنواع بحسب موقعه واختياراته وقناعاته وانتمائه وحسب ميولاته النفسية والعقلية، فمنه من يمسي بمواقف ويصبح بغيرها وهذا في الغالب ضبابي الرؤية لا يثبت على قناعة؛ لأنه مسيّر وموجه بقدر الحاجة التي يريدها من النظام، أو من الآخرين أصحاب المواقع والمسؤوليات داخل الدولة، أو المتعلقين بأجندات خارجية تخدم مصالح الدول والمنظمات داخل الوطن، وبذلك سقط دوره الفعال في التأثير وفي التغيير ليصير تابعا تفوح منه رائحة المنفعة، وتبرق على جبينه وفي وجهه مساحيق وجها غير وجهه الأصلي.

أما الحديث عن المثقف المنحاز لقضايا الشعب والإنسانية قد يكون بمثل الحديث عن الشبح في الظهيرة، فيكاد يكون وجوده نادرا، إما بسبب الإقصاء أو بسبب فشله في تبليغ صوته ورأيه، أو بسبب إحباطه وركونه إلى زاوية اللا مبالاة، على عكس مثقف السلطة الذي يكون في جهتها مسلحا بمالها وعتادها، ومحروسا بجهازها الأمني وبذلك فهو مدافعا ومنافحا عنها على اعتباره مدافعا عن مصالحه، لأنه يرى استمرار منفعته في بقائها مهما سلبت غيره الحقوق وانتهكت الحريات.

إننا مسؤولون جميعا دون استثناء، لكن المسؤولية بقدر الثقافة التي نحمل وبقدر الرسالة التي أودعت في عقولنا، وفي صدورنا. إن حقيقة المثقف اليوم مخزية فتخليه عن مسؤوليته التاريخية وانتمائه وثوابته دليل لاختياره بديلا لحياته، فالغربة في محيطه، والتغريب في تفكيره وحكمه الأبدي القاسي على البشر والأحداث، فلا يقبل بالحجج والبراهين، ولا يريد الاختلاف اتفاقا طريقا إلى الحرية، لقد أختار الاغتراب بشكل طوعي فيما يراه وبذلك حمل سيف الحجّاج وجعل بينه وبين العامة حجاب؛ فكثير من المثقفين يسيئون إلى أنفسهم قبل غيرهم، ولا يقفون إلى جانب القضايا العادلة للإنسان والشعوب والمقاومة المشروعة. هذا لا يعني عدم وجود المثقف الأصيل في وجه الدخيل، فالمثقف الموقف ماضي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو الصوت الجهوري الذي يخترق الصمت الرهيب للأنظمة العميلة، ويطيح بصروح أكاذيب المثقف المزيف، إنها جدلية يحدث دوما من خلالها الجدل، سنة الله في خلقه.