لم يتأخر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كثيراً ليكتشف أن بلاده تُركت وحدها في مواجهة الغزو الروسي، وأن كل ما قيل قبل ذلك لم يكُن أكثر من جعجعة لن تحمي أوكرانيا من أطماع الدب الروسي.

زيلينسكي قالها بكل وضوح: "لقد تُركنا وحدنا للدفاع عن بلدنا"، "مَن هو مستعدّ للقتال معنا؟ لا أرى أحداً"، ولعل هذا ما دفعه مبكراً لمحاولة الاتصال بالرئيس الروسي الذي يرفض حتى الآن الرد على هذه الاتصالات بعد أن أخذت البندقية زمام الأمور.

المعسكر الغربي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية عاجز تماماً عن القيام بأي شيء لمنع روسيا عن احتلال أوكرانيا، ووقف السيناريو الذي سيصل في نهاية الأمر إلى تنصيب حكومة أوكرانية شكلية تابعة لموسكو في قراراتها وتوجهاتها، علاوة على تثبيت استقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك في إقليم دونباس تمهيداً لضمهما بشكل كامل إلى الاتحاد الروسي لاحقاً.

الغرب وتحديداً أوروبا رفضت عندما حانت لحظة الحقيقة فك ارتباط روسيا بشبكة المدفوعات الدولية "سويفت" لضمان مصالحها المتعلقة بالغاز، كما أن واشنطن لن تستهدف قطاع الطاقة الروسي أو فرض عقوبات على صادرات الألومنيوم، وذلك في انحياز واضح للمصالح الاقتصادية بعيداً عما يحدث على الأرض من محاولة دولة قضم أراضي دولة أخرى بالقوة العسكرية.

لا أحد ينكر أن العقوبات ستضعف الاقتصاد الروسي بشكل كبير إلا أن هذا الأمر بحاجة لوقت طويل نسبياً لتبدأ أثاره بالظهور، علاوة على أن المتضرر الأكبر هو الشعب الروسي وليس بوتين ونخبته الحاكمة، فالتجربة تؤكد أن العقوبات الاقتصادية لم تؤدي يوماً إلى تغيير أنظمة أو أسقاطها أو حتى تخليها عن مواقفها السياسية، وأن نتائجها كانت كارثية فقط على الشعوب، وكأن الغرب بانتهاجه مبدأ العقوبات يريد أن يعدل بين الشعبين الروسي والأوكراني بحيث يعانيا معاً نتيجة هذه الحرب.

القوى الغربية حاولت بكل ما أوتيت من قوة تثبيت الموقف الأوكراني الرافض للتنازل أمام موسكو وأظهرت لكييف عزمها منع الرئيس الروسي من تنفيذ خططه العدائية، إلا أنه ومع اليوم الأول للهجوم الروسي قالها الغرب بكل وضوح أوكرانيا ليست عضواً في الناتو ولن نتدخل بصراع عسكري مباشر مع روسيا وعلى الأوكرانيين الدفاع عن أنفسهم، فلا أحد يريد حرباً شاملة ومفتوحة مع موسكو.

الرئيس الأوكراني يبدو أنه لم يقرأ تاريخ بلاده جيداً فرغم تخليها في العام 1994 عن أسلحتها النووية مقابل ضمان استقلالها وسيادتها إلا أن روسيا لم تتوانى عن تهديد استقلال أوكرانيا ووحدة أراضيها والعام 2014 ليس ببعيد عندما قررت موسكو ضم شبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي، فماذا فعل الغرب سوى الإدانة والتنديد وفرض حزمة من العقوبات لم تغير من الواقع شيئاً.

يبدو أن زيلينسكي نادم أشد الندم على لهاثه وراء الغرب ومغامرته باستقلال بلاده، فخطابه الأخير يظهر أنه يدرك تماماً أن موسكو لن تتراجع عن خططها إلا بعد تحقيق مصالحها كاملة وأن كييف ستصبح مجرد عاصمة جديدة تابعة لروسيا، فأوكرانيا ليست سوى ضحية لعبة دولية كبيرة تسعى إلى إضعاف الدب الروسي وإعادته إلى الحجم الذي رُسم له بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وإيقاف تدخلاته في الملفات الدولية وكسر عظم التحالف الروسي الصيني لضمان عدم منافسته الزعامة الأمريكية للعالم.

بالمحصلة فإن عقوبات الغرب لن تؤذي سوى الشعب الروسي، فيما بوتين ونخبته الحاكمة يواصلون الرقص على رؤوس الأوكرانيين والشعوب الضعيفة المحيطة بروسيا.