{قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}

يهذّبنا كتاب الله وكلام رسوله فيه، ويعلّمنا الحكمة في آياته وقضائه، غير أنّ الإنسان بطبعه عجول {خلق الإنسان من عجل}، يقلقه المستقبل والمجهول، فيحاول معرفة ما ستؤول إليه حاله ليطمئنّ، مع أنّه يعرف أنّ الأمر كلّه بين الرحمن الرحيم!
يُبتلى المرء في كثير من الأحيان بشيءٍ من الدّراما النّفسية التي قد يعيشها فيتوهّمها حينًا،أو تحيط به أحيانًا فتؤرّقه وتعذّبه..
هي دراما من صنع يديه هو،يتقوقع فيها فينعزل عن لحظته الآنية ويخسر بذلك حاضره ومستقبله.
وممّا يرهق النّفس ويجلب كدرها هو القلق الدائم من المستقبل، الخوف من المجهول .
هو خوفٌ يكبّل حواسّ الإنسان وقدراته وتفكيره ويجعله رهينةً للأوهام والظنون، مشلولًا داخل دائرة فكرية محدودة، تضيع منه حياته الحاضرة وتتسرّب أيامه بكل تفاصيلها من بين يديه …
بينما يقلّب بصره شاخصًا في ما هو بيد الله وأمر الله.. ولو توكّل على الله لكفاه ربّه أمر حاضره ومستقبله!
حين يترك الإنسان للأوهام أن تتحكّم فيه، فإنه سيعيش حياته بين مطرقة الخوف وسندان الحسرة، بين الخوف من المستقبل والحسرة على الماضي،
حينها ينسى أو لا يعي أن يعيش حياته الحقيقية وتفاصيل اللحظات التي تمرّ الآن من حوله وهو غافلٌ عنها، وفاقدٌ لجمالها وحيويّتها.. فيضيّع "اليوم" الذي هو بين يديه في سبيل "غد" مجهول ومحفوظٍ بين يديّ ربّه، وقد حُرم كثيرٌ من البشر من عيش متعة اللحظة بما فيها وبتفاصيلها..
والأمر لا يتوقّف عند الشخص القلِقِ وحده، بل يتعدّاه ليؤثّر في محيطه وأهله وزوجه وأبنائه الذين سيخسرون كذلك متعة الحياة متقلّبين بنعم الله ومتوكّلين عليه، فمن لم يذق نعمة التوكّل على الحيّ القيوم فقد خسر خسرانًا عظيمًا!!


يقول الجاحظ في كتابه الحيوان عن هذه الحالة:
"وإذا استوحش الإنسان تمثّل له الشيء الصغير في صورة الكبير وارتاب وتفرّق ذهنه- فرأى ما لا يُرى وسمع ما لا يُسمع وتوهم على الشيء اليسير الحقير، أنه عظيمٌ جليل"..
لذا فلنجعل ذكر الله أنيسنا ورفيقنا كي لا نستوحش الطريق،ولنثق ونطمئنّ أنّ أمرنا بيد العليم القدير العزيز الحكيم الرؤوف الرحمن الرحيم الذي يعلم خائنة الأعين وماتخفي الصدور وهو أقرب إلينا من حبل الوريد ولا يقدّر أيّ شيء عبثًا وإنّما لحكمة سبحانه.
إذًا لم نقلق والأمر إليه عز وجل.