عجيب أمر أمّتنا هذه المصابة بسقام التخلّف الهائل وهوان العجز المفرط وتأبى ان تساير الشعوب المتطلعة للرقيّ في أوان العصرنة والحداثة وثورة التقنية العولمية، وتوسيع أفقها الانساني لتجاوز وعبور المضائق القومية وحَوَل النظرة والرؤى الدينية والعقائدية والإمعان في التمايز والتفريق في قناعات الانسان الإيمانية وبروز النرجسية التافهة بين فكر عقائدي وآخر لتأجيج العداوات والبغضاء بين ابناء الوطن العربي الواحد، وكأننا لانعرف سوى النزاعات مسلكا واختلاق الخصومات ديدناً وإشاعة البغضاء والضغائن والكراهيات منهجا؛ ففي كل حين تجيئُنا مصيبة مفزعة؛ هناك حرب شعواء وهنا اضطرابات بلهاء وتلك مدنٌ تحترق وأقوام تنزح من ديارها رغما عنها هربا من موت محقق او عاهة مستدامة أو وباء متفشٍ او مجاعة في زمان قحط وخمول مفرط سوف يودي بنا الى الهلاك لا محالة.

حتى الربيع العربي الذي زحف علينا قبل سنوات منقذا ومخلّصا وكنسَ أعتى ديكتاتورياتنا لم نحسن الترحاب به وتقويمه وتدويره بالشكل الذي يرضي جماهيرنا وهي التي أوقدت شعلته ومهّدت الطريق له فأضحى وبالا وويلات لا زالت مؤثراته السلبية فينا بدل ان يكون خيرات وسعادات وقفزات نحو الرخاء والنماء والارتقاء السياسي والمجتمعي باتجاه المدنية والديمقراطية.

ايّ عيبٍ كبير فينا!، وايّ سوءٍ ونحسٍ يلازمنا، شعوب مثلنا ترقد على مناخ رائق ومعتدل مشمس على مدار السنة وتغفو على ارض مليئة بكنوزٍ ومعادن وبوسائل الطاقة من نفط هائل في خزينه الستراتيجي ومعادن وفيرة ولا تحسن ترتيب حياتها ولا تريد ان تخلع لباسها الرثّ المرقّع بالسوءات والعيوب وتظل معلقة ومتشبثة بإرث ماضٍ عجوز بلغ سنّ اليأس لا ينجب جنينا ولا يلد جديدا ولا يطبب سقما ولا يسقي زرعا ولا يروي غليلا ولا يصنع آلة استهلاكية او انتاجية تُقيم اقتصادنا ناهضا بدلا من اقتصاد الريع السائد فينا وحجارة صماء يابسة لا تعلو بناءً وعمرانا بل تبقى فينا سجّيلا نرمي بعضنا بعضا بمنجنيق الكراهة والبغض والشتيمة والضغن.

لم يجانب الصواب ذلك المثل المأثور الشائع: "يُوهَب الجوز لمن لا يمتلك أسناناً"

كثيرا ما أحار وانفث ما في دواخلي من هموم متحسّرا على هذه الكتلة البشرية الخاملة المحبّة للاستكانة والاسترخاء الطويل وانا اقرأ مؤخراً ابتكارا علميا هائلا في الرقيّ والانجاز العقلي؛ إذ نجحت الصين بقدرات أبنائها من جمع عيّنات من الجليد القابل للاحتراق وجمَعتْه من بحر الصين الجنوبي ليكون بديلا عن الطاقة الناتجة من النفط والغاز لتوليد الطاقة لهذا التنين الضخم ولأبنائه وأحفاده الذين زادوا على المليار ونصف نسمة.

هذا الجليد "الملتهب" حراريا والمكوّن من بلورات موشاة بهيدرات غاز الميثان سيكون في المقبل القريب والبعيد شعلات من نار ووقود للطبخ في كل بيت ومادةً حرارية للتدفئة والتبريد في المصانع والمزارع والمجمعات السكنية والآليات وتسيير قاطرات المترو وبنزين الطائرات والسفن البحرية والفضائية لتعزيز الملاحة الجوية والبحرية.

ومن يدري فقد تبحر هذه السفن في باطن الارض لتغور في حميمها وتأتي بالعجائب والغرائب وما يذهل العقل البشري ويمتعه معا بالخيرات المكتنزة في اعماق معمورتنا الثريّة الواهبة!.

اما نحن العرب المستعربة فداؤنا قد استشرى ودواؤنا العتيق الموصوف من السلف الصالح وغير الصالح المنتهية صلاحيته ما عاد شافيا ناجعا؛ وها نحن ننتظر شهادة وفاتنا قريبا جدا لنلحق بثمودٍ وعاد من العرب العاربة لنهلك بالطاغية في حياتنا النزرة المتبقية لنا؛ وليس بالرياح الصرصر العاتية؛ فهذه الرياح هي الأخرى أصبحت طوع أمر العقول الناجزة مصدرا من مصادر الطاقة والكهرباء من خلال طواحين الهواء لنماء أوطان ذوي المدنية والتحضّر؛ لكنها علينا وبالاً وهلاكاً لأننا لا نحسن استخدام ما حبتْه الطبيعة الكريمة لنا لسبب بسيط هو ان عقولنا عاجزة أو بالأحرى أعجزَها من نسميهم قدوتنا ورعاتنا وماسكو زمام أمرنا ولا أجانب الصواب لو قلت انهم يريدوننا أن نبقى متخلفين واهنين جهّال راعشي اليد ليسهل تحقيق مآربهم ويفسدوا ويسرقوا ويظلموا ويشيعوا كل ما يسيء الينا دون ان نحرّك ساكنا أو ننبس ببنت شفة.

لنعترف بجرأةٍ ودون استحياء بهواننا وتراخينا وهذا هو ذا الفرق بين أمم تحقق الإعجاز وهو تخوض غمار الإنجاز وأمم لا ترى منها إلاّ الاستكانة والعجز والإزعاج.

مع الأسف تلك سِمة أمتنا العاطلة المعطِّلة فقدت منبر السيف والقلم كما قال قبلا عمر ابو ريشة وارتخت يدها فلم تستطع ان تبني او تُنهض صرحا او جدارا الاّ وطلبت معونة الأمم الاخرى، لم تهتمّ بمبدعيها وأولادها من البُناة والسُعاة الى نمائها وارتقائها وترفع سيفها لتقتل كل من يريد ان يجدّد ويعمّر ويغيّر.

أمتي الماجدة قبلا أضحت تنام على وسادات ماضٍ أنجبَ في مرحلة ما لكنه عقم وشاخَ وبلغ به الوهن حدا ميؤوسا منه؛ هي الان تُجعجع بلا طحن وتفخر بلا نتاج ماديّ او معنوي وتملأ الدنيا ضجيجا بلا مكننة وبلا أزيز المحركات الصناعية او العقلية، والأغرب انها لا تصمت خجلا من نفسها ومن بقية أمم الدنيا وكثيرا مانسمعها تُـعْول وتصخب وتفخر بلا منجز وتتباهى بلا معجز وتستعرض دون محفل.

لنقُل بملء أفواهنا اننا انتكسنا في الابتكار العلمي والتقني، وفشلنا في ان نساير بقية الامم في ميادين التحضّر والرقي السياسي والاجتماعي، عجزنا عن فهم واستيعاب وممارسة الحياة الحديثة المدنية القائمة على السواسية والحرية والديمقراطية الحقة غير المشوهة، فشلنا في تقديم انجاز واحد للبشرية في العصر الحديث ، فالفشل والانتكاس غالبا ما يشير الى نوعين من رد الفعل أولهما انتكاس وشعور بالهزيمة والإحباط يجعلنا ننطوي على مقدار تخلفنا على انفسنا ولا نقنع بعجزنا ولا نقبل ان يقال لنا اننا في اخر الصفوف من الرقي ونأبى الإفصاح عن علّتنا من باب المكابرة الرعناء ليس الاّ، واما النوع الثاني فهو يجرّنا الى ممارسة العنف أينما كان سواء في محيطنا او محيط الغير ويجعلنا نرفض هذا العصر كلّه ونكرهه فنفجّـره بوجه من يصنعه ومن يمارسه شعورا بالضغينة والحقد والحسد ضد الناجحين ولهذا نرى بين فينة واخرى حدوث عمليات عنيفة تعدّ غالبا ارهابية عنيفة هنا وهناك.

تلك هي هيستريا العنف التي تلازمنا لأثبات وجود لكن في جانبه السلبي، بينما الامم الاخرى تثبت وجودها في الجانب الايجابي المنجِز المبتكر ولعمري ان هذا هو الفرق بين امة مبتكرة وأخرى واهنة منكسرة.

[email protected]