لم تخلف نكبة 1948 سوى شتات في الشعب الفلسطيني الذي تغيرت خريطته الديموغرافية حيث أصبح أكثر من 70% من الشعب مشتتين ومتفرقين هنا وهناك بين ملاجئ الدول المجاورة و غربة تصل إلى ما وراء المحيطات ولم يعودوا إلى ديارهم لغاية اليوم.
لقد دفع اللاجئون الفلسطينيون فاتورة غالية جراء النفاق الغربي الذي كرس كل ظروف الحياة الكريمة للاجئين الأوكرانيين فلم يحتاجوا للوقوف في طوابير طويلة للحصول على تصاريح اللجوء ولم يُحبسوا في مكان واحد دون تحرك ولم يعانوا من الفقر والجوع فشتان بين هذا وذاك اللاجئ الفلسطيني الذي يقبع في مخيمات اللاجئين في لبنان التي تنعدم بها ادنى شروط المعيشة، فلا بنية تحتية، ولا اهتمام حكومي، وليس لهم أي حقوق مدنية واقتصادية، وليس لهم حرية التنقل والسفر، ومحرومون من الرعاية الصحية والطبية.
والحال لا يختلف كثيرا بالنسبة للاجئين الفلسطينيين في سوريا فلهم مأساة اخرى كيف لا وهم من فروا من حرب ليجدوا حربا أخرى انعكست تداعياتها العميقة عليهم قتلا وتهجيرا واعتقالا وتشريدا، ناهيك عن الاغتصاب وهو مصير اللاجئة في مخيم اليرموك ثناء حسين التي روت تفاصيل الحادثة الذي تعرضت لها لقناة الجزيرة اين تم اعتقالها واغتصابها بطريقة وحشية لمدة ستة اشهر.
ومصير ثناء كان مصير العديد من النساء الفلسطينيات بسوريا وهو ما دفع إلى تراجع أعداد الذين يقيمون منهم في مخيمات اللجوء بشكل كبير، وبدأ الكثيرون منهم رحلة نزوح ولجوء جديدة إلى بلدان اخرى.
فأن تكون فلسطينيا فليس شرطا أن تكون لاجئاً خارج وطنك فيكفي أن تكون داخل غزة لتشعر بأنك مقيد داخل وطنك الأم في شريط ضيق بين البحر والأراضي المحتلة تواجه الحرب والحصار المتواصل، وتأثير الانقسام، وقلة فرص العمل اين وصلت نسبة الفقر إلى 50% من سكان القطاع ناهيك عن سوء الأوضاع الصحية للمخيمات الفلسطينية حيث تزداد الاوضاع سوءا يوما بعد يوم نتيجة الكثافة السكانية المتزايدة الى جانب تناقص الخدمات المقدمة من الجهات الرسمية التي لا تكترث لأوضاع اللاجئين داخل القطاع المتردية أوضاعه.
في حين يلاقي اللاجئين في مخيمات الضفة الغربية معاناة مداهمات قوات الاحتلال التي تواصل اقتحام المُخيّمات الفلسطينيّة وتشن حملات الاعتقال بشكلٍ واسع في مناطق مختلفة في محافظات الضفة وخاصّة في المُخيّمات، حيث تأتي هذه الاعتقالات لكسر جذوة انخراط الشباب الفلسطيني اللاجئ في المقاومة، وهذا في ظل حالة الإصرار على النضال ضد الاحتلال بكافة الأشكال.
شرح معاناة اللاجئين يطول بطول معاناتهم التي لم تنتهي منذ سبعين سنة والتي لم تلقى أذان صاغية بالرغم من تشكيل وكالة خاصة باللاجئين الفلسطينيين من طرف الولايات المتحدة الأمريكية والتي تعني في إحدى تجلياتها تهيئة الأجواء لإطالة أجل هذه القضية كما انها كانت بمثابة بداية تكيف الفلسطينيين مع الأوضاع الجديدة باعتبارها قضايا تشغيل وإغاثة وليست قضية شعب مشرد ينبغي التكفل به وإعادته لوطنه الأم. الجانب المظلم للاجئين الفلسطينيين لا يعني غض البصر على النماذج الناجحة منهم والتي هاجرت في وقت مبكر إلى أراضي غريبة واستطاعت أن تنتج من رحم المعاناة و اللجوء قصص نجاح ذاع صيتها عاليا ومن هذه الشخصيات الفلسطينية البارزة "فرانسيسكو شهوان"، الذي تمكن من تولى العديد من المناصب السياسية في دولة التشيلي، منها: نائب رئيس الجمهورية، وعضو البرلمان التشيلي. أما "ألفارو صايغ"، فهو رجل أعمال شغل منصب النائب الأول لأحد أكبر المؤسسات المصرفية في تشيلي. وهو أيضاً القائم بأعمال الرئيس التنفيذي لوسائل الإعلام/ تكتل Copesa، وهو أيضاً صاحب فندق غراند حياة سانتياغو.
أما "خوسيه سعيد" فهو رجل أعمال فلسطيني من بيت لحم، استطاع بفضل إصراره أن يملك أكبر شركة للعقارات وإدارة الأسواق في تشيلي والأرجنتين، في حين ان قصة نجاح آية يوسف في مخيمات اللجوء الفلسطيني في لبنان ،استطاعت أن تثبت للعالم أجمع أن العقل الفلسطيني أهلٌ للإنجازات فتميّز وذكاء آية دفع المنظمة العالمية لجائزة التكنولوجيا، ومقرّها الولايات المتحدة الأميركية، لاختيارها واحدةً من أفضل 50 متأهلاً للتصفيات النهائية لجائزة "Chegg Global Student" لعام 2021، التي تمنح للطلبة الأكثر تأثيرًا في العالم، للمرحلة الثانوية فما فوق وإن دل هدا على شيء إنما يدل على النجاح الفلسطيني في كل بقاع العالم والذي لم توقفه الظروف القاهرة ولا مشقات الحياة.
كل هذه النماذج ما هي إلا قطرة في بحر النجاحات التي حققها المتغربون الفلسطينيون والذين وبالرغم من توليهم مناصب عليا إلا ان حنينهم لوطنهم الأم لا يزال يخالج شعورهم كيف لا وهم من ينتظرون حقهم في العودة إلى ديارهم التي ظل مفتاحها بين أيدهم لغاية اليوم.
حال اللاجئين الفلسطينيين عبر بقاع العالم يختلف بين المعاناة والنجاح غير أن حق العودة يبقى الحلم الوحيد الذي ينظرونه منذ زمن على أمل أن يتحقق في أقرب وقت.