يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعله العدو بعدوه: مقولة تنطبق على سياسة الإدارة الأمريكية منذ تولي بايدن إدارة شؤون البيت الأبيض والتي لم يكن بمثل هذا التخبط منذ عقود: لقد حاول بايدن بكل ما يملك من وسائل أن يجر الدب الروسي إلى مستنقع أوكرانيا ولكن من المستفيد؟ لقد منح بايدن للصين هدية ذهبية تمثلت في كسر شوكة الاتحاد الأوروبي واغراقه في مشاكل الطاقة بدل ان يلتفت إلى تغول الصين الاقتصادي الذي سيتجاوز الاقتصاد الأمريكي عاجلا أم اجلا.
بعد أن تمكنت الصين من الانتصار على الوباء بجدارة بالرغم كل التوقعات التي أشارت إلى ان اقتصادها سيتعرض لنكسة كبيرة خاصة بعد تضرر سلاسل التوريد و تبعات كورونا على الاقتصاد العالمي، وها هي بكين تستفيد من الهدية الأمريكية بشهادة المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية حيث فرض الوضع الراهن على روسيا تقديم استثمارات ضخمة للصين في مجال الطاقة وخصوصا الغاز حيث تباشر هذه الأخيرة وضع استثمارات ضخمة لاستقبال كميات ضخ كبيرة من الغاز الروسي الأمر الذي سيعطسها إمكانية في التحكم بأسواق الطاقة في شرق آسيا، كما اعطت لبكين وموسكو فرصة لتحويل المنافسة الاقتصادية إلى اتحاد مصالح تضرب به الصين اعداءها الذين يشنون حربا اقتصادية بأيادي روسية.
الإحصائيات اليوم تضع الصين في أريحية أمام انعكاسات الانكماش الاقتصادي العالمي وتفتح الباب ومن المرجح أن تتقدم الصين على اقتصاديات أوروبا وتقترب من فك الصدارة العالمية للولايات المتحدة الأمريكية مستفيدة من تداعيات كورونا بالإضافة إلى الحرب في أوكرانيا وعجز الولايات المتحدة عن كسر ومحاصرة أقوى الشركات الصينية التي لاتزال تلتهم الاسواق الافريقية وتتوجه نحو أسواق جديدة.
وحتى وإن كانت دول الناتو تدعي أن الصين ليست عدوا وأن روسيا هي التهديد الأكبر إلا أن هذا الكلام لا يصدقه عاقل فالتخطيط لمساومة الصين بملف تايوان هو أحد أوراق الضغط التي تستعملها أمريكا لإجبار الصين على مراجعة سياساتها و موقفها من الحرب الروسية وهو دليل في نفس الوقت على أن الناتو وزعيمته الولايات المتحدة الأمريكية قد فشلت اقتصاديا أمام الصين وها هي تحاول ان تقلب المعركة من معركة اقتصادية إلى معركة جيوسياسية ومع ذلك فإن الصين لا تشعر بالخطر من هذا النوع من المخططات لأنها تملك كل الوسائل لحسم موضوع تايوان ولا تبالي بالعقوبات الاقتصادية التي سيحاول فرضها الغرب لأن ذلك يعني تقديم فرصة للصين وروسيا بتشكل نظام اقتصادي عالمي جديد و ستكون افريقيا وقارة أمريكا الجنوبية في صفه بحكم مدى تأثير الصين في اقتصاديات العديد من الدول الناشئة.
لقد اثبت بايدن خلال قرابة سنتين أنه الشخص الغير مناسب في المكان المناسب ''بالنسبة للصين'' لأن طريقة تعامله مع الملفات الدولية تصب في مصلحة بكين، فهو المسؤول عن إنقلاب دول الخليج على حليفها الاستراتيجي بسبب سلبية موقف الإدارة الأمريكية في معالجة الملف اليمني والإيراني وهو مسؤول بشكل غير مباشر عن الأزمة الاقتصادية التي تضرب دول أوروبا اذ ان اصراره على الذهاب بعيدا في معاقبة روسيا وعزلها عن العالم كان له اثر كارثي على اقتصاديات دول أوروبا خاصة وأنها استقبلت ''نيرانا صديقة مر أمريكا'' بعد أن اتجهت إلى التخلي عن غاز روسيا بدون بديل يفي بالغرض... وأمام هذا الخطأ الكبير في معالجة الملف الأوكراني استطاعت الصين أن تتخلص من منافسيها الأوروبيين بعد أن اصبحوا منهمكين بمشاكلهم الاقتصادية الداخلية ووضعوا جانبا ملف طريق الحرير وملف الحصار الاقتصادي على الصين في أوروبا واتجهت كل الأنظار صوب محاربة الروس في حين أن الخطر الحقيقي هو الصين لأنها لن تتوانى عن التهام الأسواق الناشئة وعن كسر الشركات العالمية الأوروبية المنافسة لها مستفيدة من المناخ السياسي الذي خدم الشق الاقتصادي بشكل لم يكن في الحسبان.
على العالم أن يستعد لمشهد جديد في الاقتصاد العالمي وهو اعتلاء الصين للعرش وتجاوز أمريكا... قد لن يكون هذا ممكنا خلال سنة او سنتين ولكنه حقيقة واضحة وتصور منطقي لمجريات الأمور بعد أن دخلت أمريكا أسوأ مراحلها الاقتصادية وبعد أن أضحت أوروبا تفكر في العودة إلى وسائل الطاقة المستعملة القرن الثامن عشر.
لن تفيد سياسة حذف الشركات الصينية في أمريكا ولا التجسس الاقتصادي عليها ولا ابتزازها بملف تايوان لأن الصين اليوم تجاوزت كل المحاولات الأمريكية البائسة في محاصرتها وهي اليوم لا تلتفت إلى البروباغندا ولا لمحاولات التشويش على علاقاتها الدبلوماسية المتميزة مع روسيا... هي الآن تزحف إلى الريادة بينما يزحف الغرب إلى أكبر انتكاسة اقتصادية قد تجعلهم يفكرون في حل الاتحاد الأوروبي.