إنّ أسمى ما يخلّدُ الإنسان في حياته، أثرٌ باقٍ فيمن حوله..
لكلّ شيء في هذا الوجود حكمة،
تواجُدُنا مع أشخاص معيّنين في هذه الدنيا، من أهل وصحبة وجيران وبيئة وبلد، فيه حكمة كبيرة، فكل هذا لم نختره، بل وُلِدنا محاطين بمجتمع معين..



ولعلّ أجمل ما يمكن فعله هو ترك بصمةٍ طيّبة في نفوس وقلوب من عاشرناهم، أو مررنا كطيف في ذاكرة جوارحهم! ما دمنا لم نختر بيئتنا فلنختر على الأقل أن نبقيَ ذكرًا طيبًا وأثرًا كريمًا وسط هذه البيئة،
ربّما لأجل هذا اختارنا الله في هذا المكان وهذا الزمان تحديدًا ….
هذا هو نوعٌ من تحدٍّ للذات الإنسانية في كيفية تأقلمها مع وسط معيّن وقدرتها على محاربة الظروف التي لم تخترها من أجل بقيّة طيّبة ومجتمعٍ أجمل!
نحن إذن أمام خيارين:
إما أن نعيش على هامش الحياة، أو أن نكون مؤثرين إيجابيين فيها، فنحيي القلوب المتعبة من بعد الذبول، ونعيد للأوتار ألحانها العذبة بابتسامة وكلمة طيبة،فالأثر ليس مقرونًا بالمادة، بل بالنفس والروح، الأثر هنا أكبر من أن يُقاس بمقياس الزمن والمكان والحواس..
فالأب الذي يورث أبناءه دماثة الأخلاق ونبل الفضائل وكرم السجايا لعمري إنّ ذلك لأعظم من أن يبقي لهم أرضًا بما فيها من دون شِيَمٍ أو مكارم أو فضيلةٍ تذكر،
والأستاذ الذي يزرع في طلّابه علمًا ورقيًّا وبلاغة وأدبًا أعظم من ألف إرث لشركات تجارية
والفنان الذي يؤثّر في قلب جمهوره بالكلمة الطيبة والخلق الرفيع والسلوك الحسن أعظم من أموال الدنيا وجاهها وزخرفها ..
فالطيبون لا يعيشون عمرًا واحدًا فحسب، بل إنهم يعيشون أعمارهم وأعمار من يتبعونهم من بعدهم إلى يوم القيامة..
إنّ عمر الإنسان قصير جدًا..
أما الأثر الذي قد يبقيه .. عمله خلال هذه الفترة لربّما يكون طويل جدًا، أو نسيًا منسيًّا .
البقاء الحقيقي والتّركة الأصيلة لعمري هي لمن ترك خلفه سيرةً تُحمد إذا ذُكرت، وتُشكر إذا سُمعت ويُشار إليها بطيبِ الخصال.ولا يُملُّ من تكرارها …