عانى القاريء العراقي في الأيام القليلة الماضية من رواج وانطلاء المعلومات الزائفة والأخبار الكاذبة ليس على عامة الناس فحسب وإنما على الإعلاميين والصحفيين أيضا لاسيما في الأزمة العراقية الحالية، فأصبح لزاما على العراقيين وحتى قبل التفكير في أي حل للوضع السياسي المتأزم في البلاد أن يعالجوا هذه الآفة الخطيرة المدمرة ويتعاملوا معها بجدية قبل أن يفوت الأوان وتؤدي إلى خروج الأمور عن السيطرة وتقع الفتنة الكبرى التي ستحرق الأخضر واليابس معا، إذ أصبح الإعلام بجديده وتقليدييه بلا استثناء رهينة معلومات زائفة، وواقعة في فخاخ الأخبار الكاذبة، والمفبركة، والوهمية، التي تحرض عن قصد أو دون دراية على العنف والصدام وتغيب عنها دعوات الجنوح إلى السلم والتهدئة.

ومع تأزم الأوضاع في العراق بعد الانتخابات الأخيرة لوحظ ازدياد المنشورات المزورة والمنصات الوهمية والمعلومات الزائفة المغرضة، والمنشورات المفبركة، والأخبار الكاذبة المضللة بشكل ملفت ومشبوه ما يؤثر حتى النخاع على العمل الصحفي المهني الرصين ومبدأ نقل الحقيقة، وعدم الانحياز، والتوعية الذي لا بد من إيلائه الأهمية الكبرى في الإعلام المعاصر أو الجديد.

لقد وجد القائمون على الترويج لهذه الآفة البيئة المناسبة والأرضية الخصبة لنشر التضليل والأخبار الكاذبة وهي الأزمة السياسية التي تعصف بالعراق هذه الأيام والتشنج الحاصل بين الأطراف والقوى السياسية، والتوقيت المناسب الذي يهرع فيه الناس منكبين على خبر أو معلومة توضح لهم الأمور وتوصلهم إلى جزء بسيط من الحقيقة، وسبق أن رأينا تصاعد وتيرة هذا التضليل خلال عمليات الانتخابات، أو المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات، أو التوترات الأمنية والعسكرية، أو الحوادث والكوارث الطبيعية، إلا أن هذه المرة تخلتف تماما عن سابقاتها فالأمر يتعلق بمصير شعب ذو أربعين مليون نسمة، ودولة تعاني من مشكلات عويصة، وترتفع فيها نسبة الأمية التعليمية والإعلامية، وتتوفر فيها جميع أسباب نشوب صراعات دموية غير متناهية.

إن خطورة هذه الظاهرة لا تقف عند حد ولا تقل شيئا عن خطر الإرهاب الذي حصد أرواح الآلاف من العراقيين الأبرياء وشرد الملايين، وتسبب في دمار مدن بالكامل، فهي الأداة الناجعة لتسعير نار الفتنة بين أبناء الشعب الواحد، وإفشاء روح الكراهية، ورفض فكر ومذهب ومعتقد الآخر، وتشجيع اللجوء إلى العنف والقوة بدل الحوار والتفاهم والاتفاق، والعراق الآن قاب قوسين أو أدني من الهاوية جراء تمادي إعلاميين وصحفيين وقنوات ومواقع غير مسؤولة في غيها واستغلال المهنة لأغراض غير شرعية ضاربة عرض الحائط كل الأسس التي قامت عليها الصحافة الحقة وتدرج عليها، وقد آن الآوان لمكافحة هذه الآفة بكل الطرق، وعلى الحكومة العراقية أن تتحرك بسرعة وتفكر في اتباع أفضل وسيلة لمحاربتها، والقضاء عليها أو التقليل منها.

وربما نجد أن نقص القوانين، وضعفها، هو من أحد أسباب تفشي هذا النهج في العمل الإعلامي، فمع كثرة ما تشهده الصحافة من تجاوزات، لم نجد متابعة ومسائلة حقيقية من الجهات المعنية ما أعطى انطباعا في غير محله بأنه لا توجد محاسبة وعقاب، فأصبح نشر معلومات خاطئة ومضللة وكاذبة أمرا عاديا حتى أنه لا يستحق اعتذارا من قبل الوسيلة الإعلامية الناشرة لها.

ما لوحظ خلال هذه الفترة هو تداول أصحاب الشأن من الإعلاميين والصحفيين لمعلومات مضللة وأخبار كاذبة بشكل يدعو للتوقف والتأمل، إذ لم يكونوا يكلفون أنفسهم حتى عناء الرجوع إلى مصادر تلك المعلومات على سبيل التحقق والتأكيد، وهذا التقصير الفاضح تسبب في خلق فوضى إعلامية وإرباك للمشهد بين عامة الناس، وقد أصبح الصحفي مستهينا بعمله وتحول من مصلح إلى مفسد، يعكر الأنفس، ويبث السموم، وكل همه تحقيق تقدم على أقرانه من حيث الوقت والأرقام، غير آبه بما يمليه عليه ضميره ومهنته، وصدق في هؤلاء قول الإمام ابن القيم:

إن كنت تدري فتلك مصيبة وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم