أعادت التطورات الأخيرة في اليمن وخاصة العسكرية منها التساؤل الذي تم طرحه إبان تشكيل مجلس القيادة الرئاسي إلى الواجهة مرة أخرى وهو: هل المجلس قادر على التصدي لمشاكل اليمن المستعصية منذ سنوات طويلة، بل منذ عقود وقبل الحرب الأخيرة التي استولى فيها الحوثي على شمال اليمن.
تركيبة مجلس القيادة الرئاسي في اليمن فريدة من نوعها، ورغم أنها تعكس التوازنات الفعلية للقوى الفاعلة في المشهد اليمني إلا أنها توازنات شكلية أقرب منها إلى تفاهمات وقناعة بضرورة توحيد الصف والحوار والتعاون للخروج باليمن من أزمته التي يدفع ثمنها اليمنيون، فهو مجلس الكل فيه يغني على ليلاه، ومستعد للانقضاض على الآخر كلما سنحت له الفرصة، فنحن هنا نتحدث عن ايدولوجيات عقائدية للبعض ومظلومية تاريخية للبعض الآخر، ناهيك عن طموحات وقناعات بأحقية العودة للحكم لدى بعض الأطراف.
المجلس ولد وفيه بذور الاختلافات أكثر مما فيه من المشتركات، فالأجندات عديدة والتوجهات متناقضة حد التصادم، فكيف لمجلس فيه الجنوبي المتطلع للاستقلال والعودة إلى ما قبل 1990 مع الباحث عن إعادة عقارب الساعة للوراء على أمل عودة تركة النظام السابق، وكل هذا يختلط مع السلفي والإخواني وبعض من المصالح الشخصية والجهوية.
مشكلة اليمن ليست في مجلس رئاسي يضم ممثلين عن كافة الأطراف، ولا في اختيار شخصية نافذة وذات قاعدة شعبية داعمة، وليست في الاستعداد للجلوس على طاولة واحدة، بل هي أعمق بكثير من ذلك، فاليمن لا يمكن له الاستقرار إلا في حالة واحدة وهي أن يقتنع الجميع بضرورة وضع كافة مطالبه على الطاولة والتفاوض عليها بعقلية منفتحة وإيمان بأن لكل طرف حقوق يجب ضمانها، وإلا فإن أي تسوية أو مبادرة مصيرها الفشل مهما قُدم لها من دعم ومساندة، فعندما يدرك الجميع أن لكل طرف الحق في بعض مطالبه وأن التنازلات لا تعني الهزيمة عندها من الممكن أن يتم وضع خارطة طريق واضحة المعالم للوصول باليمن إلى بر الاستقرار.
منطقية الطرح يجب ألا تُفهم أنها انتصاراً لطرف ضد طرف آخر، فالجنوبي الذي يرى أنه هُمش وسُلبت حقوقه لنحو ثلاثة عقود لن يعود ليجلس وكأن شيئاً لم يحدث على ذات الطاولة مع الشخص الطامح والحالم بالعودة إلى حكم اليمن بشقيه، ناهيك عن الإخوان وأجندتهم الموالية للتنظيم الدولي وأطماعهم في السيطرة على الدولة.
ومع معضلة التركيبة المتناقضة للمجلس هناك معضلات أخرى في كل مكون من المكونات، فحتى مَن يجلس على الطاولة لديه تحديات داخلية فهناك مَن لا يرى فيه ممثلاً له ومتحدثاً باسمه، وليس في وارد القبول بزعامته وقيادته، لا على العكس مستعد للتصادم معه حتى إن اقتضى الأمر الاشتباك المسلح.
وكل هذا يحدث فيما الحوثي يعزز من سيطرته وتفرده بحكم اليمن الشمالي، وكأنه معزول عما يجري في جانب الشرعية ومجلسها، وهذا بحد ذاته تسطيح وهوس قوة عند الحوثيين، فالتاريخ لم يشهد جماعة مثل الحوثي تمكنت من السيطرة بشكل نهائي واستمرت في الحكم، فمَن جاء بقوة البندقية ستأتي بندقية أخرى لإزاحته.
اليمن بحاجة اليوم إلى شخصيات تضع مصلحة اليمنيين ومصلحة الدولة في مقدمة الأولويات، والجلوس معاً لوضع آلية حكم وخارطة طريق تضمن لكافة الأطراف حقوقها دون انتقاص، بعيداً عن لغة المدافع والبنادق، فالحوثي حقق شيئاً لن يتنازل عنه ببساطة والجنوبي طرق باب الحلم بدولة مستقلة ولن يتنازل عن حلمه، والسلفي والإخواني وتركة النظام السابق كلهم لديهم من الأوراق ما تمكنهم من إعاقة أي مقترح أو خطة لا تضع مصالحهم في الاعتبار، لذا فإما أن يجلس الجميع ويقدم كل طرف تنازلات متبادلة وإما سيبقى اليمن غارقاً في وحل النزاعات والانقسامات، والشعب يعاني ويلات الفقر والجوع، وما ينتج عن ذلك من زيادة خصوبة أرض اليمن لعودة التنظيمات الإرهابية بكل قوة.
باختصار، اليمن بحاجة إلى عقل رشيد وكلمة سواء تعطي لكل صاحب حق حقه، وتضع إطاراً للحكم يمكن الجميع من ممارسة دوره سواء عبر نظام فيدرالي أو كونفدرالي أو مناطق حكم ذاتي، أما أن يعود اليمن لما كان عليه قبل سيطرة الحوثي فهذا لن يكون إلا معجزة ربانية قدرت الوحدة الكاملة لليمن، ومَن يقول غير ذلك فهو كمن يحارب طواحين الهواء.