في خطابه الأول الذي وجهه إلى الشعب بعد تسلمه مقاليد الحكم رئيساً للإمارات العربية المتحدة حدد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان العناوين العريضة للمرحلة المقبلة، والتي ستسير عليها الدولة داخلياً وخارجياً.
ما يميز خطاب الشيخ محمد بن زايد أنه كان مباشراً وصريحاً وواضحاً في مضامينه وتوجهاته المستقبلية، وقد يكون ذلك مرده إلى شخصيته العسكرية التي تركز على الانضباط والمباشرة لتحقيق الأهداف على الوجه الأفضل، وفي ذات الوقت النظر إلى المستقبل بعين الأب الذي يريد تأمين المستقبل المزدهر والمستقر للأجيال المقبلة.
الخطاب حمل روحاً إيجابية ورسالة مفادها أن نهج الإمارات نهج له جذوره الضاربة منذ تأسيس الاتحاد، وأن كل مرحلة من مراحل التقدم والتطور تبني على ما سبقها لترسخ المُنجز وتعزز الدور وتنطلق إلى آفاق جديدة من النمو والتطور، فالاستمرارية بحد ذاتها ضامن مهم للحفاظ على النموذج التنموي للإمارات، وهذا ما أكده الشيخ محمد بن زايد في أكثر من موضع في خطابه.
وبالنظر إلى خطاب الرئيس الإماراتي يبدو جلياً أن المرحلة المقبلة تقوم على أربعة ركائز رئيسية هي الإنسان والهوية والاقتصاد والعالم الخارجي، إذ وضع الخطاب خارطة طريق للبناء عليها، بحيث تسير كافة الخطط والبرامج التنفيذية في فلك هذه الركائز، باعتبارها البوصلة التي يقتدي بها الجميع خلال الفترة المقبلة.
الركيزة الأولى التي تضمنها الخطاب هي الإنسان الإماراتي، باعتباره الثروة الحقيقية والمصدر الأول لموارد الدولة، لذا جاء التأكيد على أن المواطن وتمكينه سيبقى الأولوية الرئيسية، وأن النهوض به ورعايته هو الهدف الأسمى لكافة الخطط والاستراتيجيات، وهذه الركيزة لطالما كانت جزءاً مهماً من فكر الشيخ محمد بن زايد ومفهومه الشامل للتطور والتقدم، فهو يرى أن الإمارات إذا ما أرادت المحافظة على مكانتها والتقدم إلى مستويات جديدة لا بد لمواطنيها من التركيز على العلم والمهارات المتقدمة في الوقت الذي تقدم لهم الدولة الإمكانات والرعاية اللازمة لتمكينهم من المضي في مسيرة العلوم المتقدمة.
الركيزة الثانية في خطاب الرئيس الإماراتي كانت الهوية من خلال التأكيد على أنها بجانب التاريخ والموروث الثقافي أموراً أساسياً ورئيسية، وهذا ما يعكس إدراكاً عميقاً لأهمية المنظومة القيمية ودورها في حماية الدولة وضمان استمرارية تقدمها، فهي تشكل قاعدة صلبة ينطلق منها الإنسان نحو فضاء التطور والعلم والتكنولوجيا الحديثة وفي ذات الوقت تعزز من ولائه وانتمائه ودفاعه عن بلاده وحماية أمنها واستقرارها، فالإنسان المؤمن بدولته وتاريخها وثقافتها هو الإنسان القادر على تعزيز سمعة ومكانة بلاده.
إما الركيزة الثالثة وهي الاقتصاد فقد أخذت حيزاً مهماً من خطاب الشيخ محمد بن زايد إذ وصف بلاده بأنها مصدر إلهام وأمل لشعوب المنطقة والعالم، كونها تمتلك منظومة تنموية متطورة ومتكاملة ومستدامة، إلا أنه في ذات الوقت بعث برسالة قوية للقطاعين العام والخاص مفادها أن الحفاظ على المنجزات وتطويرها يتطلب عناصر أساسية لا بُد من التركيز عليها في المرحلة المقبلة وفي مقدمتها مواصلة سياسة تنويع الاقتصاد وعدم التركيز على قطاع الطاقة باعتباره المصدر الرئيس للنمو بل باعتباره المُمكن للنمو والتطور، وضرورة تبني العلوم والتكنولوجيا المتقدمة وبناء الشراكات الاستراتيجية لضمان مواصلة النمو وتعزيز تنافسية الاقتصاد على الساحتين الإقليمية والدولية.
الركيزة الرابعة للخطاب اهتمت بالمحيط الإقليمي والعالمي، ف لطالما قامت على فكرة أن الإمارات جزء من محيط واسع وعليها التفاعل والتعامل مع هذا المحيط بشكل متوازن وحكيم قائم على الشراكة وإدارة العلاقات وشبكة التحالفات بما يضمن سيادة الدولة وأمنها وتعزيز قيم التعايش والحوار والتعاون باعتبار هذا النهج هو الطريق الأقصر والأمثل لتحقيق الازدهار والتنمية لا على صعيد الإمارات فحسب بل والإقليم بشكل عام.
الشيخ محمد بن زايد في خطابه كان واضحاً جداً عند حديثه عن الركيزة الرابعة، حيث أرسل رسالة قوية ومباشرة بأن السيادة والأمن خط أحمر لا تنازل فيهما، وأن تبني مبادئ الاحترام المتبادل والسلام والحوار لا تعني بأي حال من الأحوال التفكير أو التهاون في الثابت الأساسي والمحوري وهو سيادة الدولة وأمنها، وأن يدها ممدودة لمن يؤمن بالعلاقات المتوازنة القائمة على الثقة والمصداقية.
بالمحصلة فإن خطاب الشيخ محمد بن زايد هو خطاب المستقبل، الذي يجسد تطلعات وطموحات الناس بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم، فالتنمية والازدهار والاستقرار هي الأدوات التي تنهض بالشعوب وتضيف إلى الحضارة البشرية وتعلي أولاً وأخيراً من قيمة الإنسان وتمكنه من تحقيق آماله وطموحاته.