ابلغنا العالم قبل 20 عامًا عن برنامج التسلح النووي السري الذي يعمل النظام الإيراني على تنفيذه، واوردنا حينها ما يكفي من الدلائل على سعي البرنامج لامتلاك أسلحة نووية، ومخاطر مثل هذا التطور في حال حدوثه على السلم الاقليمي والدولي.
رغم كشفنا عن موقعي "نطنز" و"آراك" عام 2002 ادت سياسة الاسترضاء التي تتبعها الدول الغربية الى السماح للنظام بتسريع مساعيه لامتلاك أسلحة نووية، وفي كتاب اصدره بعد سنوات اعترف حسن روحاني الذي كان حينها كبير المفاوضين في محادثات الملف النووي بأنه خدع الأوروبيين.
تجاهلت دول 5+1 البعد العسكري لخطة العمل الشاملة المشتركة مما شجع نظام الملالي على تجنب تدمير الهياكل المتعلقة بالبرنامج، ففي أحسن احوال تجاوبه مع المجتمع الدولي تجنب مؤقتًا بعض الأنشطة.
واثبتت تقارير المقاومة الإيرانیة حقيقة أن "خطة العمل الشاملة المشتركة" لم تمنع أنشطة الملالي لامتلاك أسلحة نووية، وأن النظام لم يكن ملتزما بتعهداته المنصوص عليها في الخطة الموقعة في عام 2015، قبل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني.
شهّر نظام الملالي بحركة المقاومة الإيرانية التي دفعت الدم والأموال لفضح تهديد عالمي جديد في طور التكوين، وواصل التقدم في برنامج الأسلحة النووية، ليقطع البرنامج النووي شوطا اوسع.
لم يكن تحرك المعارضة الايرانية يوم 14 آب 2002 اول او اخر التحركات التي دقت ناقوس الخطر، لكن الحكومات الغربية فشلت في فرض نظام تفتيش جدي على طهران، مما سمح للملالي بالإفلات من العقاب، ففي غياب الاجراءات العملية يمكن للنظام أن يكذب ويحجب المعلومات ويضلل الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول طبيعة برنامجه النووي وأبعاده.
اثار تأكيد الوكالة الدولية للطاقة الذرية على صحة معلوماتنا الاستخبارية حول موقعي نطنز وأراك تدقيقًا عالميًا، قال الرئيس الامريكي الاسبق جورج دبليو بوش خلال مؤتمر صحفي عام 2005 ان انكشاف برنامج إيران النووي الخفي جاء بفعل ما قامت به مجموعة ايرانية معارضة، لكن الغرب بقيادة الدول الأوروبية الثلاث "المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا" سارع إلى التفاوض مع النظام الذي نفذ أكثر الهجمات الإرهابية فتكًا على الأراضي الأوروبية.
لم تحل التعهدات الامريكية بمنع نظام الملالي من الوصول الى القنبلة النووية دون اجراء محادثات لا نهاية لها، مباشرة أو غير مباشرة مع النظام الإيراني، الذي ظل مبعوثوه ينظّرون على الغرب حول تاريخ إيران، ويضيعون الوقت بالمساومة لفرض شروط جديدة ورسم خطوط حمراء.

بعد اصابتها بالشلل اثر حربين كبيرتين في أفغانستان والعراق، تتردد واشنطن بشكل متزايد في الاحتفاظ بخيارها الأخير على الطاولة، لأن طهران هي التي بادرت واستمرت في شد خيوط الذين قتلوا الأمريكيين وقوضوا المصالح الأمريكية في المنطقة، المطالب العدوانية لفريق التفاوض الإيراني في فيينا اليوم مدعومة بتهديدات العديد من المسؤولين الإيرانيين الذين يتفاخرون علانية باحتمال اضطرار إيران لانتاج القنبلة النووية، وبدلاً من الشفافية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية تريد طهران وضع كل الأدلة التي تشير إلى برنامج أسلحتها النووية على الرف.
تُظهر معلوماتنا أن الهيئة المكلفة ببناء أسلحة نووية، المعروفة بالفارسية باسم "سبند" ـ تم استبدال رئيسها السابق محسن فخري زاده في نوفمبر 2020 برضا مظفري نيا ـ تصعد أنشطتها للاندفاع نحو القنبلة الذرية، حيث تستخدم اليوم الموارد العلمية لأكبر سلسلة تعليمية في إيران، المعروفة باسم جامعة آزاد مع أكثر من مليون طالب، الامر الذي يوفر شبكة أكبر لأبحاث طهران النووية العلمية وغطاءًا يعيق تتبع شركاتها في الحصول على التقنيات الغربية.
فشل المجتمع الدولي في حل الأزمة الإيرانية لأنه رأى نفسه عالقًا بين خيارين فقط الحرب أو التهدئة والاسترضاء، دفع العالم الثمن الباهظ للخيار الأول، ويتجه نحو الخيار الثاني، حيث لوح الرئيس الامريكي جو بايدن بتوجيه ضربة.

رغم التقدم النووي وزيادة الدعم لجماعاتها التي تعمل في الاقليم بالوكالة لم تكن طهران ضعيفة ومعرضة للخطر في الداخل مثلما هي اليوم، تفسر
الانتفاضة الضخمة في نوفمبر 2019 والمظاهرات المتتالية على مستوى البلاد منذ ذلك الحين سبب قرار المرشد الأعلى علي خامنئي تنصيب إبراهيم رئيسي رئيسا في عام 2021، وهو القاتل سيء السمعة، والمعروف بدوره المباشر في مذبحة ما يصل إلى 30 ألف سجين سياسي في عام 1988.
رئيسي والسلاح النووي عاجزان عن حماية النظام، لأن استراتيجية خامنئي في استخدام رئيسه كبعبع جاءت بنتائج بائسة، اذا وضعنا تطورات اوضاع ايران الداخلية في عين الاعتبار، حيث نظم المعلمون 17 مظاهرة واسعة النطاق في أكثر من 100 مدينة في 31 محافظة، ونزل المتقاعدون إلى الشوارع في جميع أنحاء البلاد في 17 مناسبة مختلفة في 20 محافظة، كانت سياسة رئيسي الاقتصادية كارثية، سوء ادارة، عدم كفاءة، فساد، علاوة على الكوارث البيئية بما في ذلك نقص المياه، وفي المقابل نجحت المعارضة المنظمة التي نجت من مجزرتين كبيرتين في الثمانينيات، وكشفت عن جهاز النظام الصاروخي والنووي والإرهابي في السنوات الـ 43 الماضية، في كسب طيف دولي من المؤيدين، وبناء شبكة واسعة داخل إيران، تعمل بنشاط لتقود الانتفاضات.

قد يتساءل البعض عما يجب ان يفعله الغرب، الجواب جاهز، التوقف عن استرضاء الملالي الإرهابيين، وقف المفاوضات وتفعيل قرارات مجلس الأمن الستة بآلية قرار مجلس الأمن رقم 2231، إعلان مسؤولي الدولة الإيرانية، بمن فيهم إبراهيم رئيسي، اشخاصا غير مرغوب فيهم.

عندما تم الانتهاء من خطة العمل الشاملة المشتركة في 14 يوليو 2015 أكدت الرئيسة المنتخبة من قبل المقاومة مريم رجوي على أن هذا الاتفاق وتعليق قرارات العقوبات الستة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي لا تمنع وصول النظام إلى القنبلة، وانتقدت غياب الحسم في تصرفات المجتمع الدولي، مشددة على أن الحصول على أسلحة نووية جزء لا يتجزأ من استراتيجية الملالي للبقاء، مع تنامي الاحتجاجات الشعبية في إيران، الامر الذي ظهر بوضوح خلال الانتفاضة الوطنية في نوفمبر 2019، ومع تغيير ميزان القوى في المنطقة على حساب الملالي، يحتاج النظام إلى الحصول على القنبلة أكثر من أي وقت مضى، مما يعني ان الاعتقاد بتغيير سلوكه من خلال التنازلات ضرب من السذاجة.
بمجرد خلع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي جهاز التنفس عن نظام الملالي، ستندلع الانتفاضات الشعبية، المدعومة بالمقاومة المنظمة في ايران، توطئة لقيام إيران الحرة، العلمانية، وغير النووية.