للتعامل مع الخلافات في البيت الشيعي وتحت عنوان(الحوار الوطني)، تٌقدم وتُدير رئاسة مجلس وزراء العراق منذ فترة وبالتنسيق مع الرئاستين الأخريتين، الجمهورية ومجلس النواب، مبادرات مكثقفة لتحقيق حوار وطني بين القوى السياسية العراقية، والهدف منها في الجوهر وعلى وجه التحديد هو معالجة الإنسداد السياسي الناتج أساساً عن طغيان مواقف متعندة لرؤوس حربة متصلة بمعسكرات سياسية شيعية متنازعة يتمثل الأول منها في المعسكر الصدري والآخر في الإطار التنسيقي.
الطرف الكردي في هذا الحوار، المتمثل في الإتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني والقوى الكردية الأخرى التي لها مقاعد في مجلس النواب، لم يستفد حتى الآن من العنوان العريض المُتجسّد في (الحوار الوطني) لطرح بعض من شروط ومطالبات الكرد كمكون أساسي من مكونات الشعب العراقي.
كل ما في جعة هذه الأطراف لا يتعدى سوى تقديم نوايا حسنة ومبادرات لإحتواء الخلافات بين القوى الشعية وكأن الكرد أنفسهم ليس لديهم أي قضية أو ملف يطرحونه في هذا الحوار ولم يتعرضوا لأي أضرار سياسية ومعنوية ومادية جراء الصراعات القائمة في العملية السياسية.
السادة الذين يذهبون كثيراً من السليمانية وأربيل الى بغداد وبعنوان القوى الكردستانية، فقدوا للأسف أولويات الكرد السياسية والإستراتيجية وصاروا يتمظهرون أكثر بمظهر القرابة والصداقة لأحد المعسكرين وأحياناً كلاهما، منشغلين أنفسهم تماماً بتحركات وجهود دبلوماسية لا صلة لها مباشرةً بمصالح المكون الكردي ومكانته في العراق، فما عدا موضوعة العقود النفطية التي صارت كالعمود الفقري لإقتصاد الإقلیم وشروط الحكم والسلطة فيه والذي بات تتحرك بغداد منذ فترة على أحتوائها من خلال قرارات المحكمة الإتحادية، لا نلمس أي ملف سياسي وإستراتيجي آخر يشتغل عليه الطرف الكردي، لاسيما ملف المناطق المتنازع عليها التي تمثل القضية المركزية للكرد في العراق منذ سبعين عاماً الى اليوم.
فالقوى السياسية الكردية لم تستطع حتى أن تُقًلَّد موقف رئيس تحالف السيادة، السيد محمد الحلبوسي، الذي قدم مبادرة في هذه الفترة وتحديداً أثناء الجلسة الثانية للحوار الوطني بعشرة نقاط أستطاع أن يربط نصف منها تقريباً بالحقوق السياسية والأمنية والإقتصادية والعمرانية للمكون السني في العراق. فهذا الرجل الذي يُفقه إستثمار التوقيتات السياسية جيداً يعي تماماً بأنه لا يمكن أن يقتصر الحوار الوطني في تناول خلافات البيت الشيعي فقط، ولايمكن أن يُنظر اليهم كممثلي سنة العراق وكأنهم مجرد قوى خاضعة وتابعة لهذا المعسكر السياسي أو ذاك، وأنما ينبغي أن يؤخذ موقعهم وأوضاع المناطق السنية وأهاليها بعين الإعتبار وذلك بناءاً على مبدأ العراق للجميع ولكل المكونات، وأن توضع أيضا وتحت سقف محاور الحوار الوطني حلولاً حقيقية لمطالب المكون السني، وإلا فبدون ذلك، سيكون حضورهم في هكذا حوار ليس إلا مجرد وسيلة لإستغلالٍ سياسي ولتغيير ميزان القوى لصالح هذا الطرف الشيعي أو ذاك دون أي مكسب سياسي يُذكر للمكون السني وممثليهم السياسيين، وهذا ما يعتبر مُنافياً لمنطق العمل في حقل السياسية والدهاء السياسي تماماً.
كان على الأطراف الكردية أن يكون لهم شروط ومطالب تجاه المشاركة في الحوار الوطني، أو على أقل تقدير يضعوا مطالب المكون الكردي في أجندة جلسات الحوار الوطني. كان يستوجب عليهم أن يقولوا وبكل صراحة: كيف لنا أن نؤمن ونشارك في حوار وطني بينما نشاهد بأم أعيننا أن المكون الكردي في المناطق المتنازع عليها وفي ظل حكومة السيد الكاظمي يتعرض منذ سنتين لشتى الخروقات الإدارية والسياسية والأمنية من دون أن يوضع لها حد حتى الآن؟ كيف يمكن أن يجري الحوار الوطني في ظل حملات منظمة وممنهجة لسياسات التعريب التي تُمارس بحق المكون الكردي في المناطق المتنازع عليها، بحيث بات لايطمئن المواطن العراقي الكردي على أمنه وسلامته ومستقبله ويتم الإستيلاء على أراضيهم الزراعية ويُجبَرون على ترك مَواطن أبائهم وأجدادهم؟ أي حوار وطني في الوقت الذي لا يتمتع المكون الكرد بحق المواطنة ويُحكم عليه بالقبول قسراً بتلك الحملات التعريب السوداء بل السكوت عنها وخضوع المكون لها خشية أن لا تُفصل أبنائه في الدوائر الحكومية ولا يتعرضوا لحملات الإعتقالات العشوائية ومضايقات القوات الأمنية وإستفزازات الملیشیات المسلحة والعشائر العربية الوافدة لغرض التعريب؟ أي حوار وطني تتحدثون بينما نرى بوضح النهار أن الخدمات الحكومية للمناطق والأحياء العربية والتركمانية في المناطق المتنازع عليها أكثر بكثير بل هو ضعف الخدمات التي تُقدم للمناطق والأحياء الكردية في محافظات كركوك والموصل وقضاء طوزخورماتوو ومناطق خانقين؟
كان على القوى السياسية الكردية أن لا يدعموا مجاناً وبدون أي مقابل أي طرف أو جماعة سياسية في العراق، والمقصود هنا بالمقابل هو ليس الحصول وحسب على المناصب الحزبية التي لا تشكل أولوية للكرد، وأنما هو تحقيق وضمان الحقوق السياسية والدستورية للمكون الكردي في البلد. لا يمكن أن يكون الأداء السياسي للكرد في بغداد بهذا المستوى الهزيل وأن لا يعي قيمة التوقيتات السياسية ومناوراتها ويخسر كل مكسب سياسي وإستراتيجي. ما يحدث الآن هو بحق مسؤولية تاريخية كبيرة تقع على عاتق القوى السياسية الكردستانية ويسيء الى مكانة وصيت وثقل الكرد في المعادلة العراقية إذا ما أستمر على هذا العقم السياسي، بل سيكون الكرد- والحالة هذه ومن ضمن العواقب الوخيمة التي ينالها- مجرد أداة في النزعات السياسية للآخرين ويُستَغَل من فترة الى أخرى للعب دور ثانوي هو تغيير ميزان القوى بين القوى المتنازعة ليس إلا.