تواصل المظاهرات هذه الأيام في شوارع طهران عاصمة إيران بعد مقتل الشابة ذات الأثنين والعشرين ربيعا مهسا (جينا) اميني ذات الاصل الكردي واسمها الكردي المحرومة من تسجيله (جينا) على يد شرطة الاخلاق الايرانية والتي توفيت اول امس بعد اعتقالها وتعذيبها داخل مركز شرطة.. حيث شيع جثمانها في مدينة (سقز) في كردستان ايران وسط هتافات الموت لعلي خاميئني.

هذه ليست المظاهرات الأولى ضد النظام في ايران فقبلها كانت في كل من عابدان ومسجد سليمان والأحواز في شهر مايو الماضي .. وهي مناطق ذات أصول عربية، للتعبير عن التضامن مع أهالي عبدان. الاحتجاجات الأخيرة التي عمّت البلاد، والتي بدأت بانهيار برج متروبول بمدينة عبادان، تحولت إلى احتجاجات مناهضة للنظام بعد أيام قليلة من انهيار مبنى متروبول، الجديد في هذه المظاهرات انها اصبحت تنادي علانية بالموت للدكتاتور خاميئي في قلب العاصمة وفي مسقط راس القتيلة من اصل كردي.

ويبدو واضحا تفكك الديموغرافية الايرانية في هذه المظاهرات ليعقد المشهد الإيراني فقبلها بثلات سنوات كانت المظاهرات ضد سياسة الايدلوجيا التي ينتهجها النظام الإيراني. حيث وصلت حصيلة المظاهرات في إيران في 2019 إلى مقتل 25 شاب واكثر من مائة جريح والتي اندلعت بسبب رفع الحكومة لسعر البنزين.

والمتابع للمشهد الايراني يلاحظ عاملين مهمين وموضعيين في اندلاع الأحداث الشبيهة بتجربة ما سمى باحداث الربيع العربي: اولا، الجيل الذي يتظاهر في ايران اليوم لا يعرف الثورة الإسلامية ولا خميني ولا تعني له الشعارات سوى جعجعه بلا طحين... ولا يرى في الغرب عدوا اصلا.

هو جيل يعيش بؤس وعوز وثاتير سلبي من حالة العولمة التي تجسدت في اختراق الحدود من خلال النيو ميديا (فضائيات ، سوشيل ميديا). فالاستقلال والسيادة اليوم لم تعد ان تحمي حدود الدولة الجغرافية عسكريا وأمنيا.
بل اصبحت السيادة (من وجهة نظري) مدى قدرتك في التأثير على الاخرين ومدى قدرة الاخرين التأثير فيك وعليك. انها ببساطة مشهد اخر لسقوط الايدلوجيا.

فهذا الجيل من جهة له متطلبات اصبحة ملحة، متطلبات لم تعد كماليات مثل اقتناء الهواتف الذكية؛ الاي فون واي باد وملابس من ماركات معروفة مثل Zara & Boss. وأصبح حلم الشاب والشابة الايرانية السفر الى لندن وباريس ونيويورك ودبي ليرى العالم.
بعد فشل المشروع التنموي الإيراني ووقوع إيران في ذيل قائمة المؤشرات الاقتصادية من خدمات مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية والمواصلات العامة وتدني دخل الفرد.
فحياة الرفاهية التي يعيش المواطن في دول الخليج العربي والتي على مرمى حجر منه لم يرى منها شيء في بلده ايران ولم يبقي له سوى اسم الخليج الفارسي لتشبع غرورة ولكن مع طول المدة انفضحت اللعبة وانفتحت أعين الشباب على الكارثة المعيشية التي يعيشها الايرانيون في ظل فشل التنمية الاقتصادية في ايران لعقود طويلة. وهي موجة عالية غير قادر الشاب الايراني المشرقي عليها في عدم امتلاك أدواتها وليس لديه القدرة على تحدياتها.

العامل الاخر.. و هو الوقوع في فخ البروباقندا الغربية، سواء من نشر ثقافة الحلم الغربي والديمقراطية كما فعلت مع دول الربيع العربي وثفافة أخرى هي استهلاكية مسطحة تسوق للمنتجات الغربية مثل ما اسلفت.

الثورة الايرانية الاولى التي جائت بخميني كانت ثورة نظيفة رغم انقلاب الاسلاموين عليها وتحويل ايران الى دولة ثيوقراطية تقوم على نشر الفقه الشيعي الفارسي تحت شعار تصدير الثورة.
لقد أرادت إيران ان تكون مركز للعالم الاسلامي الشيعي كما ترغب تركيا في ان تكون مركز الاسلام السني اليوم.

صرفت ايران أموال طائلة في برنامجها النووي الذي لم يكتمل حتى الان والذي تجاوزه العصر على ما يبدو فالسلاح المغير للعبة(Gamechanger) اليوم أصبح طائرات دروون، التي تستطيع إيقاف مجمع بترولي قيمته مليارات الدولارات بطائرة سعرها لا يتعدى عشرة ألاف دولار.
السؤال اليوم، هل سينجح الاسلاموين في استمرار السيطرة على كراسيهم في ايران في ظل شعب وصل مرحلة اللاعودة بعدما انتقلت متطلبات الشارع من تحسين الوضع الاقتصادي الى مطالبات بإسقاط النظام... وبعد سقوط القتلى وسيلان الدم في الانتفاضة الأولى والثانية؟ والان مقتل الشابة الكردية جينا وفي ظل هتافات تتعالى تنادى بالموت لخامئني في شوارع إيران. وكيف سيواجه نظام بدد امواله على أيديولوجيا وسلاح نووي لم يكتمل بعد.. فالسياسة معنية بالنتائج وليس النوايا.

لقد توسع النظام خارج حدوده بدلا من الاهتمام بجودة الحياة وباقي مؤشرات التنمية داخل ايران ولصالح الايرانيين. الامر مرهون بالايام القليلة القادمة في رغبة المتظاهرين بالتصعيد بعد الدعم الاعلامي الامريكي الواضح. ومدى رغبة امريكا في حصار ايران من خلال مقاطعة اقتصادية ترضخ لها اوربا والصين. وفي إطار النظام العالمي الجديد وصراع الأوراسيا مقابل الأطلنطي.
لكن من جهة أخرى، ربما حاجة الغرب للنفط الإيراني بعد الحرب الروسية الاكرانية هو ما سوف ينقد إيران اذا ما تقدمت مفاوضات فينيا في عودة الاتفاق الأمريكي الإيراني الذي وقع في عهد إدارة أوباما والذي يرى بايدن نفسه وريثا لهذه الإدارة، فهما نفس ادارة الحزب الديمقراطي وسياساته. ولن تلتفت لحقوق الإنسان في ظل حاجتها للنفط. فالبرجماتيه والمصلحة سمة سياسة الغرب.
بالاضافة الى مدى قدرة النظام الإيراني على مقاومة ثورة جياع اذا ما استمر الحصار وايجاد حلول سريعة بدلا من توجيه تهم العمالة والإجرام لهؤلاء المتظاهرين الشباب وقتلهم كما قتلوا جينا التي سوف تتحول إلى مشعل للحرية في تاريخ الشباب الإيراني المناهض للدكتاتورية الدينية.
وهذا ما سوف تفصح عنه الايام القادمة.