ترتبط الصحافة ارتباطًا وثيقًا بتاريخ الإنسان على الأرض، فمنذ اللحظات الأولى وبعد خلق البشرية نوع من الاستقرار، والذي نتج عنه اختراع وسائل الاتصال بين الناس بعضهم بعضًا، وبدأت رغبة التسجيل في الظهور في قلب هذا الشخص، فحب الاستطلاع، والفضول، والتعرف على كل جديد، ومحاولة تسجيل وكتابة الأحداث اليومية، وعلى الرغم أن الكثيرين يعودوا بتاريخ الصحافة إلى اختراع الطباعة، إلا أنه من الصفات التي خلقت من المولى عز وجل مع الإنسان والتي سبق ذكرها يمكنك أن تعرف بسهولة بأن نواة الصحافة قديمة بقدم الإنسان، وفي هذا المقال سنتحدث عن الصحافة العربية ما بين نشأتها وتطورها إضافة إلى تطوراتها من صحافة القلم إلى صحافة الموبايل.

نشأة الصحافة واختراع الطباعة
كما ذكرنا أن الإنسان تعود على تسجيل أحداث حياته اليومية على الجدران، منذ أن سكن الكهوف ويمكنك مشاهدة ذلك جليًا في العديد من الكهوف حول العالم، ولعل أبرزها الرسومات التي عثرت عليها البعثة السوفيتية في اليمن، إضافة لما يمكن أن تجده على جدران المعابد الفرعونية القديمة، من تدوين الأحداث اليومية للشعب المصري القديم.

ولم يتوقف الأمر عند هذا فقط، بل أيضًا الشغف بالتعرف على كل جديد، فكان الإنسان القديم شغوف بنقل الأخبار، سواءًا لجيرانه أو حتى بتدوينها على الجدران للأجيال القادمة، فنجد أن هناك العديد من الملاحم التي تم نقشها على جدران المعابد والتي تصور أخبار المعارك التي انتهت بالنصر، ويقول المؤرخين أن عملية التسجيل في الحروب كانت تتم للمعارك التي تم الفوز والانتصار فيها.

وظل الأمر هكذا عبارة عن الكتابة على ورق البردي، وتطور الإنسان بعدها قليلًا وخاصًة في الجزيرة العربية ليبدأ في تسجيل الأشعار، وأخبار الحروب، إضافة لتأييد الحسابات الخاصة بقوافل التجار وأسعار السلع على جلود الماشية.

حتى حدثت الطفرة عام 1450م، والتي أحدث ثورة تكنولوجية، وثورة توعوية عندما تم اختراع المطبعة وعليها بدأ استخدامها في طباعة الكتب، وانتشارها وتصديرها بنسخ ضخمة لجميع دول العالم، وكان يتم نقل الأخبار في تلك الفترة عن طريق طباعتها في فقرات، ثم يتم إرسالها مع سعاة البريد، من قرية إلى آخرى، وكان يتم كل هذا دون التعرف على القوالب الخبرية، وفنون الصحافة الكتابية، فكان الأمر محدود بحدود عصره وزمنه.

ويعتبر أول جريدة مطبوعة بالشكل المتعارف عليه حاليًا، سواءًا الحجم الكبير الـStandard، أو سواءًا بالحجم الصغير أو ما يعرف بصحف التابلويد Tabloid، وقريبة من الفنون الصحفة التي نعرفها في وقتنا الحالي هي جريدة أوكسفورد، والتي تم طباعة نسختها الأولى عام 1665م، دون تحديد نوعية دوريتها ما إن كانت ستكون يومية أو أسبوعية، والتي اهتمت بنقل أخبار أزمة الطاعون في أوروبا، ونقل أسماء من أصيبوا أو توفوا خلال هذه الجائحة.

وذلك تم بعد تجارب، ومحاولات عديدة في مختلف دول أوروبا، مثل تجربة ألمانيا عام 1470م، ولكنها سرعان ما فشلت بسبب عدم الحفاظ على دوريتها، وتجربة صحيفة "لا جازيت" في فرنسا في شهر مايو عام 1630م، ولكن رغم تحديدها الدورية اليومية، إلا أنها كانت تتأخر لعدة أيام، بسبب عدم وضع أسس محددة لفنون الصحافة، وعليه فإن التجربة الصحفية الأولى بشكل قريب لما نعرفه الآن، هي التجربة الإنجليزية.

نشأة الصحافة العربية
وبالنسبة للصحافة العربية فيرجع نشأتها إلى مجئ الحملة الفرنسية، وخاصًة عند دخولها إلى مصر في عام 1798م، فعند دخول الحملة كان لدى نابليون بونابرت مطبعتين تم صناعة واحدة باللغة العربية بشكل مخصوص لغرض طباعة جريدتين، الأولى باللغة العربية لنشر أخبار الحملة وأخبار المحروسة، والثانية تم طباعتها باللغة الفرنسية لنشر الروح المعنوية العالية في جنود الحملة.

وبعد رحيل الحملة عن مصر، ووسط فوضى الانسحاب والفراغ السياسي، وصعود محمد علي باشا واليًا على مصر كانت من أولى قراراته هو إنشاء أول صحيفة عربية ومصرية عام 1828م، تحت اسم جريدة الوقائع المصرية، وكانت وسيلة الاتصال بين السلطة والشعب، وتناول أخبار البلاد والعباد، إضافة إلى تعريف الشعب على قرارات الوالي الجديدة من فرض للضرائب وزيادة في أسعار السلع المختلفة.

وتعد أولى صحف المملكة العربية السعودية كانت جريدة القبلة، والتي تم تأسيسها وإصدارها عام 1916م وتم طباعتها في المطبعة الحكومية الهاشمية الأميرية، واهتمت بالقضايا الأدبية والسياسية، وتم طباعتها تحت إشراف كامل من الشريف حسين بن علي بن محمد الهاشمي، ملك المملكة العربية السعودية، وكان من ضمن أولوياته بعد الاستقلال عن الدولة العثمانية.

وكانت الجريدة تصدر بشكل دوري، لتداول أخبار المملكة سواء الداخلية أو الخارجية، وعلى الأهداف التي يرغب في تحقيقها الملك، مع تداول الأخبار الاقتصادية للدولة حتى تم تغيير اسمها بشكل كامل في عام 1924م إلى صحيفة "أم القرى".

تطور الصحافة العالمية
يمكننا أن نربط بين تطور الصحافة على المستوى العالمي بالتطور التكنولوجي، والذي بدأ مع بداية القرن الحادي والعشرين الجاري، من الاعتماد بشكل أكبر على أجهزة الكمبيوتر، وظهور الهواتف الذكية وبدء اختفاء أقسام بكاملها من الصحافة، كانت تعد بمثابة أعمدة أي جريدة مثل قسم "الجمع" على سبيل المثال والذي كانت مهمته تحويل الكلمات المكتوبة على الورق من الصحفيين، وإعادة كتابتها على الآلة الكاتبة أو أجهزة الكمبيوتر.

كما تم اختفاء قسم الإخراج الصحفي من صحف أمريكا وأوروبا وحتى الدول العربية، والذي كان يراجع على عمل ثلاثة أقسام قبله مر عليهم الخبر أو التقرير قبل دخوله مرحلة الطباعة، ويحدد أماكن كل مقال أو خبر سيتم نشره في أي مكان بالصفحة، وتم دمجه مع قسم المراجعة الذي يراجع على الخبر بعدما يخرج من قسم "الديسك" أو التدقيق اللغوي، ويحدد له مكانه في صفحة الجريدة باستخدام أحدث البرامج التكنولوجيا مثل "ADOBE In Design".

ولكن مع بداية عام 2012م وتحديدًا مع اندلاع ثورات الربيع العربي، وبداية تطور أجهزة الهواتف النقال وانتشارها، إضافة إلى تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، إضافة لمنصات التواصل الاجتماعي التي بدأ الاعتماد عليها في نشر الأخبار، كل هذا جعل العديد من الأصوات على مستوى العالم تتنبأ بان الصحافة قد وصلت إلى خط النهاية، ومآلها هو الانقراض.

ولكن نسوا أن الصحافة ليست فقط كلامًا مكتوبًا، بل الصحافة هي الكلمة أيًا ما كانت هذه الكلمة سواءًا كانت مقروءة، أو مصورة، أو مسجلة، المهم هو توصيل المعلومة، وتوصيل الكلمة بأمانة، وعليه بدأت الصحف على مستوى العالم الاتجاه إلى ما عرف بـ "صحافة الموبايل" وهو تصوير وتسجيل الأحداث بكاميرا الهواتف المحمولة، أو عمل استطلاعات للرأي للشعب عن أداء الحكومة، أو حول أزمة مجتمعية ما، وهذا تسبب في انتعاش كبير في الصحافة وأعطاها قبلة الحياة لتعود إلى مكانتها، ومسماها الطبيعي وهو "صاحبة الجلالة" وتستعيده مرة آخرى بعد تأقلمها مع التطور التكنولوجي.

في الأخير كانت هذه مجرد لمحة عن نشأة وتطور الصحافة العربية والعالمية، ولا نعلم ما يمكن أن يتم خلال السنوات القادمة من تطور جديد للصحافة، مع ظهور مختلف التطبيقات التي أصبحت تنقل لك الخبر بشكل آني، ولكن أنه من المؤكد أن الصحف الورقية هي التي ستنقرض، ويرجح الخبراء بأن هذا سيحدث خلال السنوات الخمسة القادمة على الأكثر.

كم يرجح أن كافة الصحف الورقية ستتوقف فقط على قسمين، وهم كل من قسم التحقيقات وقسم التقارير والإعلانات، إضافة إلى توقع العديد من الخبراء بأن الصحافة ستتطور إلى الحد الذي سيكون عبر وجود أدوات توضح مصداقية الخبر، ولكن كل ما نستطيع قوله هو أننا سنعيش لنرى.

#فضاءـالرأي