بالأمس كان أكثر يوم أعيد فيه شحن هاتفي الذكي، والسبب في تغريدة لي على حسابي بمنصة تويتر حصدت مئات آلاف التفاعلات لدرجة أن هاتفي "الذكي".. لم يمتلك القدرة على استيعاب هذا العدد، ومن هنا انطلق "ماراثون الشحن"!

تغريدتي هذه تضمنت مقطع فيديو لوزير الخارجية الأمريكي بلينكن في مجلس الأمن قبل أيام وهو يلقي كلمة تدين ضم روسيا مؤخراً للأقاليم الأربعة الأوكرانية، وجاء في كلمته حرفياً: "من منطلق القانون والنظام الدولي.. لا يحق لأي دولة أن تعيد رسم حدود دولة أخرى بالقوة، كما فعلت روسيا في أوكرانيا..".. وبعدها انتقل المقطع إلى جزء من مقابلة للمحاور الأمريكي/ وولف بليتزر عبر برنامجه "غرفة الحدث" على قناة سي أن أن – في عام 2021-، مع وزير الخارجية الأمريكي/ أنتوني بلينكن، وفيها سأل المحاور بلينكن: "ماذا عن ضم إسرائيل للجولان مؤخراً؟"، وهنا أجاب بلينكن: "بعيداً عن القانون الدولي.. الجولان مهمة لإسرائيل".. وأنهيت تغريدتي معلقاً على تناقض الوزير في المقطعين بعبارة "عندما تمارس أمريكا السياسة على أنها فن السفالة الأنيق"!

ولم اكتف بتغريدة – والتي حصدت أكثر من مليون تفاعل - بل جعلت من تغريدتي تلك سلسلة من التغريدات (ثريد)، كون تناقض وإزدواجية المعايير لدى الوزير بلينكن وأمريكا، استفزتني حد ما يتجاوز "التغريد"!.. وقطعاً لن أقوم بذكر ما جاء في هذه السلسلة هنا، فهذا ليس القصد من مقالي، وإنما لغاية أهم في سطور هذا المقال.

في رأيي أن أخطر سلاح حاربتنا به أمريكا لم يكن عبر ترسانتها النووية والعسكرية، وإن كانت منطقتنا والعالم لم يسلم من ضررها، ولكنني أجد بأن سلاح "التنميط" الأمريكي الذي اكتسبته من كونها القوة العظمى الأوحد في العالم، واستطاعت وتستطيع أن تجيّر مكانتها هذه لتسمع وتقنع من تشاء في العالم "من هو العدو الجديد؟ وما هو (البراند) الثقافي الاجتماعي السياسي الاقتصادي الأمريكي الجديد؟"، هو سلاحها الأخطر والأشد فتكاً، وأدعو القارئ إلى قراءة كتاب "من دفع للزمّار؟ Who paid the Piper?"، للصحافية والمؤرخة البريطانية المبدعة/ فرانسيس ساندرز، والتي استعرضت في الكتاب بشكل منهجي وموثق كيف كوّنت أمريكا خلال الحرب الباردة شبكة من الراديكاليين السابقين والمثقفين اليساريين ممن تحطم إيمانهم بالماركسية والشيوعية، ومن مؤسسات وهمية وتمويل سري ضخم وحملة إقناع هائلة، في حرب دعائية ضارية هدفها زرع ثقافة القرن الأميركي التنويري الجديد.

هذه الحرب كانت تخطط لها وتديرها "منظمة كونغرس الحرية الثقافية" (Congress for Cultural Freedom)، التي كان مقرها في باريس بفرنسا، وهي "الزمار" الذي كانت تدفع له وكالة المخابرات المركزية (CIA) ثمن ما تطلبه من "ألحان" تسمعها للعالم.

هذا هو ملخص الجهد الاستقصائي الجبار الذي قامت به الباحثة البريطانية ساندرز في كتابها "من الذي دفع للزمار؟"، فكشفت الجانب المظلم من تاريخ أميركا الثقافي معتمدة على عدد كبير من المقابلات الشخصية، وفحص عدد كبير من الوثائق الرسمية التي أُفرِج عنها مؤخرا.

فقد كشفت ساندرز عن أسماء عدد كبير من أبرز مفكري وفناني المرحلة، من أمثال أشعيا برلين وكليمنت غرينبيرغ، وسيدني هوك وآرثر كويستلر، وأندريه مالرو، وبرتراند راسل وجان بول سارتر وآرثر شليزنغر الابن، والصدمة كانت بالنسبة لي عند تضمن اسم صاحب رواية (1984) جورج أورويل، هذه الأسماء!

هذا هو الأسلوب الذي لجأت إليه وكالة المخابرات المركزية للعبث في الوعي الانساني، متخذةً من الفنون والآداب غطاءً لها في عملها.

وماذا عن أكبر ضحية لسلاح "التنميط" الأمريكي، وهو المسلم بشكل عام، والمسلم العربي بشكل خاص. حيث عملت أمريكا منذ عقود ولم تزل على تنميط الاسلام والمسلمين بـ "الارهاب" وأن "الاسلام انتشر بالسيف".. حسناً بهذا المنطق.. ماذا عن نشر معتقدات أمريكا والغرب التي باتت عندهم أقرب إلى الدين من ليبرالية وعلمانية وإنحلال أخلاقي عبر فرضها على دول قامت أمريكا قبلها بتنميط اسمها على أنها "دول العالم الثالث"!

إن كان "الاسلام انتشر بالسيف" – وهذا تدليس-، ف "دين" ومعتقدات أمريكا والغرب انتشرت بالدبابات والرؤوس النووية و"الدرونز".. ولا أنسى.. وبالتزمير!

وأصل إلى الغاية من مقالي، وهي أعداد المتفاعلين الكبيرة مع "سلسلة تغريداتي".. شكراً للجميع أولاً، وبعدها الأهم.. قد تفرقنا الحدود المرسومة بحبر "غربي"، وقد تفرقنا صراعاتنا واختلافاتنا التي تعددت أشكالها، ومضمونها تافه واحد.. ولكن قطعاً يجمعنا وعي جمعي شعبي عربي واسلامي واحد.. وأكرر شعبي بعيداً عن أبراج الأنظمة الحاكمة العاجية.. وما تفاعل هذه الجموع بوعيها وإدراكها لما خلف الأكمة الأمريكية الذي طغى على المتفاعلين إلا أعمق وأفضل شاهد.


هذه هي الغاية الأسمى من مقالي هذا.. لا الترويج عن "مجد تويتري" على شكل "ترند"!