ظلت عودة المهجّرين السوريين من لبنان محط أنظار الكثيرين، وهذا ما صار يعني أنّ المحطة الأهم في سوريا، والمستقبل يحتّم على القيادة السورية عودة هؤلاء النازحين الذين هجّروا من بلادهم نتيجة الحرب التي أصابتهم في الصميم، ودمرت ممتلكاتهم وقضت على كل ما هو جميل في حياتهم، ما ألجأهم إلى النزوح إلى لبنان البلد الشقيق، والعيش هناك بصعوبة بالغة وخاصة بعد الأزمة الخانقة التي أصبح يعاني منها، والوضع الاقتصادي الذي يضغط على اللبنانيين أنفسهم، وارتفاع الدولار مقابل الليرة اللبنانية إلى أرقام مرعبة!

وكانت الخطة المتبعة تتجه حيال ما يقدمه الجانب اللبناني في عودة اللاجئين بعد إعلان الرئيس اللبناني ميشيل عون منذ أيام البدء بالعودة طواعية وبحسب الخطة التي أعلن عنها سابقاً بحيث يتم العمل على إعادة 15 ألف لاجئ كل شهر وهذا ما أوضحه وزير المهجّرين اللبناني في زيارته إلى سورية قبل شهرين، فيما أكد وزير الإدارة المحلية السورية حسين مخلوف على الاتفاق بين الجانبين لعلاقة عودتهم.
وفي هذا الإطار عقد اجتماع مع الجانب اللبناني يهدف إلى تسهيل وتبسيط الإجراءات في المناطق الحدودية، وتأمين الخدمات الضرورية، وتوفير الإقامة الآمنة والمريحة لهم.

مدير البحوث والاستشارات في المعهد الوطني للإدارة المحلية أيهم أسد أكد أنه لا يمكن النظر إلى أولئك المهجرين العائدين إلى سورية إلّا بوصفهم مورداً بشرياً قادراً على العمل والإنتاج والانخراط في الاقتصاد على شكل قوّة عمل نشطة يمكن الاستفادة منها في القطاعات كافة، خاصة في ظل استمرار عمليات الهجرة للشباب السوري إلى الخارج، وبالتالي فإن استثمار المهجّرين اقتصادياً من خلال توفير فرص عمل لهم ومصادر تمويل سيشكل دعم لعملية التنمية لا عبئاً عليها.

إنَّ الحديث اليوم عن عودة اللاجئين السوريين من لبنان يطرح تساؤلات اقتصادية وتنموية، حول الاستعداد المادي لاستقبالهم ودمجهم في سوق العمل ليكونوا فاعلين في التنمية الاقتصادية. العمل على عودة اللاجئين السوريين من لبنان هذا يعني توفير خطة استجابة لهذه الحالة من خلال العمل على تأمين الاحتياجات الإنسانية المادية لهم، وتحديداً تأمين سكن ملائم، وخدمات بنية تحتية من ماء وكهرباء وصرف صحي وأساسيات الحياة، وخاصة أن من بين هؤلاء المهجّرين ممن دمّرت مناطقهم وأصبحت غير قادرة على استيعابهم مجدداً، وبالتالي فإن تأمين مستقر ودائم لهم هو من أهم عوامل نجاح عودتهم واستقرارهم.
أما الجانب الثاني الأهم الذي يتطلب العمل على تأمينه لجهة استقرارهم، ويتمثل بقدرة الحكومة السورية على إعادة دمج أولئك المهجّرين بالمحيط الاجتماعي وتأمين الخدمات الاجتماعية لهم من صحة وتعليم وحماية اجتماعية، وبصورة خاصة للمهجّرين الذين لا معيل لهم، أو للأسر التي تعيلها النساء.

إنَّ ضعف إمكانيات الحكومة السورية في تلبية الحاجة إلى ما سبق تشكل أحد الصعاب التي تواجه ملف العودة، سواء كانت عودة المهجرين من لبنان أو من دول الجوار كالأردن.
وفي العودة إلى ملف النازحين الذي أخذ مد وجزر واستثمارات سياسية ومالية على الساحة اللبنانية، فضلاً عن عدم التوافق الدولي حتى الآن على إنهاء هذا الملف الذي أثقلَ كاهِلَ اللبنانيين والسبب هو وجود أكثر من مليوني نازح سوري في لبنان. ومنذ أكثر من ثلاث سنوات كلف السفير الروسي في سوريا تولي إدارة هذا الملف، ودخل الموضوع في البازار السياسي الداخلي والدولي، ومنهم من وضع حالة المهجرين في خانة التوطين وبقائهم في لبنان ما يعني أن يشكل عبء اقتصادي إضافي حتى أنه في الفترة الأخيرة شكلت تلك الأزمة خلافاً بين عصام شرف الدين وزير شؤون المهجّرين، ونجيب ميقاتي رئيس الحكومة، ونفى ميقاتي أن يكون وزير المهجّرين أن أخذ موافقة مسبقة منه بشأنهم.

إنَّ العودة الطوعية، وكما هو واضح مستبعدة كلياً على الرغم من سوء الأوضاع الاقتصادية في لبنان، وتأثر بها النازحون، ومن بينها تخفيض بعض الخدمات المالية والعينية والمساعدات الطبية والتربوية للعائلات السورية المقيمة في لبنان بفعل الأزمة الاقتصادية العالمية. وهناك الكثير من الأسر السورية وبأعداد كبيرة ما زالت طلباتهم معلقة لجهة تسهيلات سفرهم إلى أوربا وأميركا وكندا واستراليا، والأهم من كل ذلك إلى فلندا والدول الاسكندنافية، وفي حال تحقق ذلك فهذا يعني سيسهم في تخفيف العبء عن لبنان فاقت قدرته على تحملها، وتشتمل على الطابة والتعليم والبنية التحتية.
وفي الجهة المقابلة هناك نزوح إضافي تديره شبكات متخصصة ومحترفة من سوريا باتجاه لبنان هرباً من التحاق الشباب بالخدمة العسكرية، ومنهم ممن تم استدعاؤه للخدمة الاحتياطية، ما أدى إلى هروبهم من سوريا.
إنَّ أغلب دول العالم أثقلها الملف ـ السوري ـ اللبناني، وفي مقدمها الحرب الروسية ـ الأوكرانية التي فاقمت الضغوط على الدول المانحة وزادت من عبء الأزمات الاقتصادية، ويتوزّع في لبنان والأردن وتركيا من أكثر الدول استقبالا للاجئين السوريين، الملايين من المهجرين بانتظار عودتهم الميؤوس منها!

وبعيداً عن ذلك فإنه ما بين عام 2018 ـ 2022 عاد نحو 400 ألف من العائلات السورية، وفي الأشهر الماضية عاد ما يقرب 50 ألفاً، وفي الأشهر المقبلة ستشهد الساحة السورية عودة للاجئين السوريين، والسوري بطبيعة الحال يمكنه النزوح والتأقلم من منطقة إلى أخرى سواء إلى الداخل السوري، أو إلى لبنان، على عكس اللبناني الذي يعيش أوضاعاً اقتصادية قاسية!.
وبعد هذا وذاك هل تشهد الأراضي السورية عودة طواعية للنازحين السوريين المقيمين في لبنان في الأيام القادمة؟

[email protected]

#فضاءـالرأي