ما بات يُحكى اليوم عن واقع النظام السوري واهتماماته في قضايا باهتة لا تمت للمواطن بصلة، وعدم التفاته لما يهمّ المواطن إلّا في بعض القضايا التي تكون فيها الجهات الوصائية من أكبر المستفيدين من هذا المشروع أو ذاك الذي تنوي الإعلان عنه، أو تلزيمه لمستثمر ما تكون على صلة وثيقة به، على الرغم من الحال الميؤوس الذي يعيشه المواطن "المعتّر" منذ زمن بعيد، وهذا ما أعاد له الكثير من التساؤلات التي تبحث عن إجابات مقنعة حيال ما يحدث هناك، وفي ظل تراجع اقتصادي مرعب صار يئن المواطن من تأزّمه واتساع فجوته، وصار يضرب أخماساً في أسداس، وهذا ما يعني طفح الكيل بالنسبة لابن سورية الذي لم يعرف أمثال هذه الصور الكئيبة من قبل والتي وضعته بين قوسين أو أدنى، وحشرته في زاوية ضيقة بالكاد يمكنه أن يتنفس، وهو القادر على تحمل كل نتائجها وإن كانت سلبية.
وفي الفترة الأخيرة ترافق عمل الحكومة بعدد من الصور السلبية التي ترافق عملها، وهذه الصور في الواقع يلزمها بتر من جذورها، ومنها ما يعني وزارة الاتصالات التي لم تعد قادرة على زيادة بوابات الإنترنت لمشتركيها في المحافظات، ومن هنا فمن الأفضل لها إنهاء دورها، ووقف عملها بصورة نهائية، لأنها لا تستطع خدمة المواطن وتلبية رغباته، وبالتالي لم يعد لها ضىرورة.!
والحال كذلك ينطبق على وزارة التجارة وحماية المستهلك، فهي الأخرى غير قادرة على لجم الأسعار، وتوفير السلع والمواد الأساسية للمواطن.
وكذلك الحال بالنسبة إلى وزارة الداخلية التي تقف متفرجة حيال السرقات التي تحدث في البلد، وهي غير قادرة على الحد منها. ومثالها السيارات الخاصة التي تسرق من أمام البيوت، ويطالب المواطن أيضاً بمنح تسهيل جوازات السفر بعيداً عن ابتزازه وإذلاله، والعمل على دفعه مبالغ لا يتقبلها عقل!
وكثير غيرها من الملاحظات التي تدخل في اختصاص بقية الوزارات الحكومية التي تغط في سبات عميق، ولم يعد لها حضوراً نتيجة الاهمال والتقاعس الذي يعيشه العاملون فيها!
***
العودة إلى تذكُّر أيام النزوح القسرية الأولى، واستعادة صورها المخيفة، التي تمادت مفرداتها مع أصوات المدافع، وهدير طائرات سيخوي الحربية، وصواريخ سكود المرعبة، والبراميل المتفجرة التي بدت تتساقط تباعاً على أسطحة الأبنية السكنية التي يقطنها مئات الآلاف من الناس الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة يدفع بنا إلى أن الأيام المقبلة وما قد يلفها من أسى الماضي الذي عشناه بكل آلامه وأوجاعه يظل يذكرنا بالزمن الذي هجّر من هجّر، والخوف الذي ما زال يترك أثره في كل بيت سوري عاش تلك الفترة.
الموت المحتّم كان يجثم على صدور الجميع، ويرافق كل شيء وبمجرد أن تصطدم القطع الحربية بالأبنية حتى تحوّلها إلى كتل من ألوان الركام، وخوف الأهالي البسطاء الذين بدو بدون وعي منهم، كل صار يركض باتجاه. مذعورين، مذهولين... وأخذ كل واحد منهم مكانه في زاوية قصية من بيته باحثاً عن مخبأ سرّي يصدُّ عنه لهيب النار، وأكوام الحجارة المتناثرة المنبعثة من الأبنية المشادة المتلاصقة بعضها ببعض، التي أخذت بالتصدع والنزول على رؤوس أصحابها. وحدها، أصوات الطائرات أخذت تُسمع ويسكن قلب المتدثرين بالأغطية خوفاً مريباً أصابهم في الصميم، ولم تعد البراميل المتفجرة التي ترمي بها الطائرات المروحية من ارتفاعات منخفضة، مرئية للناظرين من أن تميّز بين الصغير أو الكبير، الشيخ المسن من الطفل الرضيع !.
وابل البارود لم يترك أحداً من شرّه، أو متنفساً لأي كان من أن يختار الطريق الآمن في الهرب إلى حيث يريد، فضلاً عن الكتل البيتونية، وبقايا البناء الطائش هو الآخر نسف كل شيء، وأحال كل ما هو جميل في نظرهم إلى شظاياه محرقة!.
شرّها المستطير أحرق كل من وقف في وجهها، بل أسهمت في قتل الناس الأبرياء الضعفاء بعد أن كانوا في مأمن من معيشتهم رغم الفقر المدقع الذي كانوا يعيشونه قبل الفتك الذي لحق بهم بسبب الاقتتال الذي لم يتوقف، وأحال سكنهم ومحالهم التجارية، مورد رزقهم الوحيد، الذي كانوا يتكسبون منه قوت يومهم، إلى فاجعة فيها من الأسى ما يكفي!
من عاش الواقع واستحمَّ بمائه، في تلك الفترة، أدرك تماماً مرارة المعاناة، والحرب اللعينة التي طوّقت أعناق الأهالي، وأرغمتهم على ترك كل شيء والفرار بجلدتهم، وحولت حياتهم البائسة إلى كآبة مطلقة مع انطلاق شرارتها الأولى، وقبل أن تأخذ الهجرة والهرب متنفساً لأغلب الناس الذي فروا بريشهم؛ من خوف لم يدركوا خطره بالنسبة لهم. أخذ اليأس يتدارك خطورة ما يحدث، ولكن بدون فائدة ترتجى فأخذوا "يُلمْلِمُون" ما أمكن من أغراض، وأدوات منزلية بسيطة، وبسرعة البرق، عسى أن تساعدهم في خدمتهم في ملجأهم الجديد الذي فرض عليهم، واللحاق بركب المهاجرين وترك ممتلكاتهم وتعب وشقاوة السنين، ما اضطرتهم ظروفهم القاسية ملزمين الهروب حفاظاً على حياتهم، وخوفاً من تعرضهم إلى أذى قادم مهول بالخطر المحدق، إن لم يكن الموت الزؤام الذي كان يتربص بهم في كل لحظة وفي كل حين، في تلك الساعة أخذ الجيران، كل يدعوا إخوانه إلى الرحيل والهروب الذي لا مفر منه... وهذا ما كان من صور عشنا بداياتها، ولا زالت معلقة في أذهاننا وإلى اليوم!
- آخر تحديث :
التعليقات