قال الأجداد قديما الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، فهم أدركوا أن الوقت له أهمية في حياة الإنسان، بل يشكل محور اهتمامه، فحرص على استثمار كل لحظة منه على أداء مهامه وواجباته، فبين الكد والاجتهاد للحصول على قوت يومه إلى تمتين الحياة الاجتماعية إلى إعالة الأسرة ومتابعة متطلبات الحياة ومواجهة تحدياتها.
ولم نكن نتصور يوما أنه سيأتي يوم يخترع فيه الإنسان أجهزة "ذكية" يهدرالناس عليها أوقاتهم، ولا أبالغ إن قلت، إنهم يغتالون وقتهم بتمضية كل يومهم بالبقاء أمام شاشة تلك الأجهزة.

هل يعقل أن لهذه الأجهزة طاقة جذب من الصعب مقاومتها لدى الصغار والكبار على حد سواء، أم هو الفضول الذي طال ولم يعد له سقف حتى بات يستنزف وقتنا وحياتنا.
إن عالم الأجهزة الذكية كل يوم في شأن، تجديد وتحديث لمختلف البرامج والتطبيقات التي تجعل أصابعنا تهرول لتفقدها لنروي ذلك الفضول، فيمضي بنا إلى ساعات وساعات بل إلى انسحاب الوقت من بين أيدينا، وهدر يومنا بالكامل دون أي نتيجة تذكر.

إن اختراع الأجهزة الإلكترونية ليس ذنبا أو خطيئة، بل له منافع جمة وساهم بشكل آخر في تقريب العالم وجعله قرية صغيرة، وسهل عملية التواصل بين الإنسان أينما كان، كما جعل الحصول على المعلومة في متناول الجميع ولكن المشكلة كانت وستبقى كيفية استخدام هذه الأجهزة وترشيد استعمالها، فنتيجة غياب الوعي أصبح الجهاز الذكي أداة لإشغال الأطفال، ووسيلة للتسلية وقتل الوقت كما يقول البعض.

إن مستخدمي الأجهزة الذكية يعانون من حالة إدمان مرضية تحتاج إلى علاج جذري لأنها انعكست على حياتهم وجعلتها غير صحية، واستنزفت طاقاتهم النفسية والعقلية والجسدية، وإن مختلف الأبحاث أكدت الأضرار التي يتعرض لها مستخدموها، فضوء الشاشة مثلا يتسبب في إضعاف النظر، حتى أن حالات ضعف النظر لدى الأطفال في تزايد مستمر وقد أرجع المختصون ذلك إلى ضوء الشاشات التي يتعرضون لها، خصوصا في ظل عدم اكتراث الأباء حول خطورة هذه المسألة، وكثيرون باتوا يواجهون حالة من الخمول والتعب الجسدي نتيجة ذبذبات هذه الأجهزة، إضافة إلى زيادة الوزن بسبب الجلوس لفترات طويلة وأكل الوجبات السريعة وعدم القيام بجهد بدني، كما أن هناك احتمالا كبيرا بالإصابة بخلل في العمود الفقري وآلام الرقبة والكثير من المشاكل الصحية وكذلك المشاكل الاجتماعية.

لتفادي أضرار شاشات الأجهزة الذكية لا بد من ترشيد استخدامها بالطريقة السليمة وفي إطار ساعات محددة لا ينبغي أن تتجاوز المقدار الذي يحدده المختصون أقصاها أربع ساعات، كما يمكن اعتماد مجموعة من الإجراءات التي يمكن أن تساعد في التخفيف من أضرار هذه الشاشات من بينها حذف الإشعارات من التطبيقات، وتغيير لون الشاشة إلى الأبيض والأسود لتكون أقل جاذبية، كما يفضل إبعاد الأجهزة وعدم وضعها في الجيب، وإطفائها أو إبعادها في أوقات النوم أو الراحة لنتمكن من وضع حد للإدمان الإلكتروني والسيطرة على هذه الأجهزة واستخدامها كهواتف وفقا لهذا الأساس وفي إطار محدد حتى نحافظ على صحتنا الجسدية والعقلية والاجتماعية.