عشرة أيام مرت على الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا، خلال ذلك امتنع العديد عن التحدث عن الآثار السياسية لهذا الزلزال والذي صنفته السلطات التركية بأنه أحد أسوأ الكوارث الطبيعية في البلاد خلال قرن 21 غير أن هذا التجاهل لن يدوم طويلا فالمعارضة التركية لم تدخر جهدا لاستغلال الوضع، فبعد ساعات من وقوعه زار كمال كليتشدار أوغلو أحد أكبر المعارضين المرشحين لمواجهة اردوغان المناطق المتضرّرة سعياً لمواساة الضحايا. وهاجم إردوغان، متّهماً إياه بالفشل في جعل تركيا متأهبة للزلازل، فقد منحت تلك الأحداث المأساوية ذخيرة مدفوعة بالغضب الشعبي للمعارضة المنتفضة، في حين لم ينطق إردوغان بكلمة واحدة عن الانتخابات منذ الزلزال، ولكنّه يظهر على شاشات التلفزيون مرات عديدة في اليوم، وهو يواسي الناجين ويعزّي شعبه.
ومع اقتراب الانتخابات، وضعت تلك الكارثة الإنسانية مستقبل إردوغان السياسي على المحك، بعد 20 عاما من السلطة وسط ذهاب خططه ووعوده أدراج الرياح، خاصة مع اعترافه بوجود ثغرات في استجابة الدولة لأزمة الزلزال المدمر، لكنه تحدث، أثناء زيارته لأحد المواقع المنكوبة، عن أن الأمر يتعلق بالقضاء والقدر قائلا: "هذه الأشياء دائما ما تحدث، إنها جزء من مسار القدر".
لا يمكن إنكار أن الزلزال قدر لا مفر منه، لكن في نفس الوقت لا يمكن تجاهل أهمية الثغرات التي تحدث عنها اردوغان، خاصة أنها تعكس في أحد جوانبها سوء إدارة وتسيير للزلزال، فبعد الزلزال العنيف الذي ضرب البلاد عام 1999، كانت القوات المسلحة التركية هي التي تقود عملية البحث والإنقاذ، لكن إردوغان وحكومته يسعيان إلى الحد من تدخل سلطات الجيش في المجتمع على الرغم من أن إمكانيات الجيش في الوقت الحالي أكبر بكثير مما كانت عليه في 1999، لكنه كان خارج الخطة لأنه ينتظر أوامر من الحكومة، وهو ما تسبب في "تأخر انطلاق عمليات الإنقاذ والبحث".
لا شكّ أن إردوغان يذكر أن قلة كفاءة السلطات عند وقوع آخر زلزال شديد في تركيا العام 1999 هي التي قادت حزبه إلى الانتصار بعد ثلاث سنوات، وهو ما يضع إردوغان أما خياران لا ثالث لهما فإما أن يوطّد موقعه من خلال إنقاذ ما تبقى من الكارثة والتكفل الجيد بالعائلات المنكوبة، أو أن يستعد لخسارة كل شيء.

وفي محاولة لملمة الوضع والذي أقل ما يقال عنه أنه كارثي في الولايات العشر التي ضربها الزلزال لن تكون المهمة بتلك السهولة، فقد قدرت خسائر الزلزال بنحو 84 مليار دولار، وسنوات طويلة من العمل للعودة جزئيا لما كانت عليه البلاد قبل الزلزال، وفي هذه الحالة فلا حكومة حزب العدالة والتنمية أو أي من الحكومات الأخرى التي من المحتمل أن تحل مكانها في حال هُزِم هذا الحزب في الانتخابات الرئاسية المقبلة التي ستعقد بعد 3 أشهر، قادرة على تجاوز الآثار الاقتصادية للزلزال والخسائر المادية الناجمة عنه بسهولة.

وفي ظل الأوضاع الصعبة التي تعيشها تركيا يبدو أنّ خيار تأجيل الانتخابات باتت غير وارد في الوقت الحالي، في نفس يمكن أن تتمّ في موعدها المحدد، الذي يعدّ آخر موعد لإجرائها وفق الدستور. ولا يمكن لإردوغان تأجيل الانتخابات إلى موعد أبعد من ذلك، من دون تعديل الدستور. وهو ما يعني أنه، يحتاج إلى موافقة غالبية الثلثَين في البرلمان التركي، أي 400 صوت، علما بأن إردوغان يملك وحلفاؤه في اليمين المتطرّف 333 صوتاً، ما يعني أنه سيحتاج إلى المعارضة لدعم تأخير أطول، وبالنظر إلى استراتيجية المعارضة التي ترمي إلى استغلال الوضع وإجراء الانتخابات في وقتها أي قبل نهاية شهر حزيران/يونيو القادم، غير أن موعد إجراء الانتخابات لن يشكل فارقا كبيرا بالنسبة لإردوغان الطامح إلى تمديد فترة حكمه لأطول مدة بل في مدى نجاحه في التعامل نع القضايا والملفات الداخلية والخارجية.

خارجيا ومن قراءة بسيطة على مجريات الأحداث فيمكن القول أن كارثة الزلزال وتداعياته المحتملة على ما هو قادم يمكن أن تكون نقطة تحول في العلاقات بين تركيا وسوريا، بعد أن ساهمت المساعدات الانسانية في فتح قنوات اتصال مباشرة لإستلام المساعدات وبعد ان أحس النظام السوري المنبوذ أن تركيا هي بوابة سوريا الى الخارج حيث توسطت في عملية تطبيع إنساني بين سوريا ودول الخليج من أجل تسهيل مرور قوافل الإغاثة إلى الجنوب السوري، ولو أنها كانت بشكل غير مباشر ،ومع ذلك لن يكون من السهل على إردوغان أن يغير من سياسته تجاه اللاجئين السوريين، ورغم هذه الترجيحات بتطور العلاقات في قادم الأيام إلا أنها لن تكون بتلك السرعة المطلوبة.

وسواء نجح أردوغان في تحسين علاقاته مع نظام الأسد أم لا، فذلك لن يكون بتلك الأهمية للشعب التركي الذي يقف على أعتاب دمار الزلزال الذي تسبب في خسائر كبيرة أضرت بالاقتصاد التركي لحد كبير.