لغزة نصيب في كل شيء، فمع التصعيد الغير المسبوق في الضفة الغربية، وجد عمال غزة أنفسهم أمام أحد تداعيات هذا التوتر، فمع مطلع هذا الشهر أوقفت سلطات الاحتلال استقبال طلبات تصاريح العمل من قطاع غزة، مع تقلّيص أعداد المسموح لهم بدخول الأراضي المحتلّة، من 17 ألف عامل إلى 13 ألفاً في محاولة لبسط عقلية العقاب الجماعي التي لطالما سيطرت عليها.

لم يكن قرار الوقف مفاجئا لعمال غزة الذين يسعون إلى تحدي الظروف القاسية لكسب لقمة العيش، فلطالما استخدم الاحتلال ملف تصاريح العمل كأوراق ضغط ومساومة، وهذه السياسة كثّف استخدامها مع سكّان القطاع ومقاومته، من خلال سياسة التصاريح؛ المنح ثمّ المنع والتخفيض ثمّ الزيادة، وهي محاولة ربط مصائر سكّان القطاع المحاصر به وجعلهم تحت "رحمته"، ومقايضة رزقهم وحاجتهم بتدفيعهم الثمن عن أيّ أعمال مقاومة سوآءا كانت داخل قطاع غزة أو خارجه، ويُضاف هذا لمجموعة كبيرة من الجوانب التي يتحكّم من خلالها الاحتلال بالقطاع ويبتزّه بها. ليستغل بذلك الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعانيها قطاع غزة، وبتحقيق بسيط في مجريات زيادة ونقصان تصاريح العمل خلال السنوات الماضية، نجد انها تنخفض مع كل توتر وتزداد كلما أراد الاحتلال تهدئة الأوضاع، وفق مزاجه العام،ومع تأزم الأوضاع في الضفة الغربية فمن الطبيعي أن تتجه سلطات الاحتلال إلى حرمان عمال غزة من العمل، ويعني هذا التوقف في منح المزيد من تصاريح العمل دخول غزة في متاعب جديدة بفعل الواقع الاقتصادي المنهار والذي طحنته سنوات الحصار الطويلة.

وهنا يجب التوضيح أن توجه عمال غزة نحو تصاريح العمل في الداخل المحتل، لم يكن نابع عن رغبتهم الشخصية في التعامل مع العدو بل هل امر فرضه الواقع المزري الذي يعاني منه أغلب شباب القطاع، على أمل تحسين أوضاعهم الاقتصادية وأوضاع ذويهم، في وقت تفوقت فيه معدلات البطالة الـ50% ، فضلًا عن وصول معدلات الفقر لأكثر من 75%، في حين يعتمد اكثر من 80% من سكانه على المساعدات لتلبية حاجياتهم اليومية، فالقطاع المحاصر منذ 16 سنة يعيش أسوأ ظروفه فلا عمل ولا حياة ولا تنمية.

ومع دخول قطاع غزة في مرحلة الموت السريري يخوض عمال غزة رحلة تصاريح العمل المحفوفة بالمخاطر، دون ضمانات مسبقة تضمن حقوقهم، فتصاريح العمل التي يمنحها الاحتلال لعمال قطاع غزة لم تكن تحت مسمى عامل، وهو ما يقترن بالضرورة بمجموعة من الحقوق التي يكفلها القانون في بلد المشغل لهذا العامل، وإنما غيرت لتأتي تحت صيغة صفة العامل في تصريح أو ما يعرف بـ"احتياجات اقتصادية" وهي التسمية التي تم استحدثتها في الآونة الأخيرة والتي تعني في جوهرها التنكر والتملص من قبل أرباب العمل في الداخل المحتل لأي حق من حقوق العمال، خاصة في حال تعرضهم لحوادث العمل، ليترتب عن ذلك فصل من فصول الاحتلال الذي لا يضع أي فرصة لتنغيص حياة أي فلسطيني كلما أتيحت له الفرصة .

قضية تصاريح العمل لعمال قطاع غزة ليست قضيةً اقتصاديّةً بحتة، بل هي قضية تنطوي في داخلها على العديد من الجوانب تتعلق وتتأثر بشكلٍ مباشرٍ بوضعية القطاع ككيانٍ محاصر منذ سنوات طويلة أصبح خلالها أهالي غزة عرضة لجميع الابتزازات، ويُعاقب فيه النّاس وفقا لمتطلبات تتعلق بالمزاج العام للمحتل، والمطالب هنا هو عدم الرضوخ لاعتبارات العمل في الداخل المحتل، عن طريق اجتراح نموذج اقتصاديّ مقاوم يكون قادراً على توفير الحدِّ الأدنى من العيش الكريم؛ الذي يحفظ كرامة العامل الغزي، دون الحاجة لتصاريح العمل.