قلت له: لا تصدق كل ما يكتبه التاريخ والانتهازيون والمعلبة عقولهم بفكر أيديلوجي أو طائفي عنصري.
فأغلب مايكتبه التاريخ مزيف ومزور.

ألا ترى كيف يُزَيَّف التاريخ أمام أعيننا ونحن أحياء.. فما بالك بالماضي؟!

بل صدق ما يعقله عقلك بعد أن تعرض عليه كل مسلمة، تتعارض مع المنطق العقلي ليتم تشريحها في مختبر الشك المنهجي كي تكون أقرب لليقين بدلاً من أن تكون أنت وعقلك والمسلمة والحقيقة: ضحية للخرافة والزيف وتقضي عمرك تعيش في واقع وهمي لايشبه الواقع الحقيقي.

وعندما يمر العمر وتصل الى النهايات فإذا بك تكتشف سر ما خُدعت به متأخراً وأنك كنت تعيش على هامش الحياة ولم تر من وجهها الجميل شيئا.

وما أسوأ تلك اللحظة التي تشعر فيها بعد فوات الأوان أنك كنت لعبة في يد غيرك، أو أضحوكة على ألسنة بلهاء قدروا على المتاجرة بضميرك ووعيك.

اجعل من عقلك فضاءً للعصافير كي تحلق في صفوه لتغرد مبتهجة فرحة طروبة، وليس وكراً لخفافيش الظلام حين تأوي اليك كأفكار ويقينيات تجعل منك كارهاً للنور والحياة والناس والجمال والحرية.

قال: وكيف أميز بين الغث والسمين، بين الزيف والحقيقة، بين الصافي والملوث، وقد وجدت نفسي بين أكوام المسلمات التي تتزين جميعها بأغلفة لامعة وتمتليء بكل المتناقضات وبدلاً من أن أقود نفسي للخروج من مستنقع تلك المتناقضات سيراً باتجاه الأهم من دراسة العلوم والمعارف والاختراعات الحقيقية، أقضي عمري تابعاً لفكر يقودني لعوالم مجهولة لا علاقة لها بعلم ومعرفة واختراعات وحضارة حقيقية؟!

قلت لك: عد الى عقلك.. أو: دع عقلك يعود اليك.

ما تعانيه من تيه وزيف وضياع واغتراب نفس وعقل: ليس الا بسبب رهنك لعقلك في جيب غيرك، حتى أصبحت رهينة لآراء ومصير ذلك الغير.
واحذر من أدعياء المعرفة والفضيلة، فإنهم أكثر وأخطر من يمارسون معك شهوة الغواية ويبيعونك الوهم مقابل أن تمنحهم عقلك ووجدانك وحياتك.

لا تحتاج الى ضياع عمر كامل كي تدرك الطريق المضيء المحاط بالدروب المظلمة.
فعندما تسير في طريقك وأنت مغلق أنوار عقلك، فلن ترى غير ظلمة موحشة.
حتى لو تفتح عينيك وتضع يدك في يد غيرك كي يقودك، فلن تدرك إن كنت تسير في طريق مليء بالأشواك أو بالورود، حيث لا يكفي أن تكون عيناك مفتوحتين ما دام أن عقلك مغلق أو تحت ارادة غيرك.
فحواسك تنقل أول انطباع لحقيقة الصورة الى عقلك وليس كل الحقيقة وعندما يذهب ذلك الانطباع الأولي للعقل يتم تخزينه في ذاكرته حتى يخضع للفحص، فإن كان عقلك متيقظاً رأى ما بعد الانطباع الأولي للصورة، أي جوهرها. وان كان غير متيقظ فلن يرى غير الوجه الظاهر لها دون جوهرها الحقيقي.

قال: كيف.. أوضح؟!
قلت: ألا ترى بعينك القمر كيف يبدو صغيراً في الفضاء.. حيث لا يتجاوز دائرة صغيرة بحجم صحن فطيرة لا يتجاوز حجمها ربع كيلوجرام؟
قال: نعم.
قلت: ذلك هو الانطباع الأول لحاسة النظر وليس كل الحقيقة.. لكن العقل بتفكره العميق وخياله الأبعد من حاسة النظر.. ذهب الى القمر المضيء فوجده بالتفحص والتجربة كوكباً كبير الحجم يسبح في الفضاء ككوكب الأرض وبقية الكواكب الأخرى وليس كما تراه حاسة النظر كقرص صغير.
قال: هل أنت عقلي الفلسفة أم تجريبي؟!
قلت له: أؤمن في الفلسفة العقلية التجريبية.. التي تؤمن في التجربة التي تعكسها الحواس كانطباعات أولية ثم يتفحصها العقل كتثبت ليرى ما بعدها من براهين أكبر وأوسع وأبعد من فكرة التجربة الحسية.

الانطباعات الأولية الناتجة عن تجربة الحواس تتحول في الذاكرة الى أفكار وعلى العقل أن ينطلق من تلك الأفكار ليكتشف ما هو أبعد لتتسع التجربة وتصبح أعم وأشمل دون أن تكتمل. ففي الاكتمال نهاية للتفكر وتعطيل لعمل الحواس والعقل وذلك يعني نهاية الحياة سواء أكانت حياة فرد أو جماعة أو مجتمع أو أمة.

لذلك فالبحث عن الكمال يجب أن يكون هدفاً لكل حالم بعالم أجمل يدرك في قرارة نفسه أنه لن يكتمل.. ولكن البحث عن الكمال بحد ذاته كمال لا يكتمل!!

رشف فنجان قهوته المرة وتذوقها كالحلوى اللذيذة في فمٍ يتبسم، ثم رفع رأسه عالياً وتأمل في السماء وقال:
كنت أظن أن هذه السماء غطاء من صخور ملساء حسب ما تصوره لي حاسة النظر عبر الإنطباع الأولي، لولا أنني استخدمت عقلي وشحذت تأملي وتخيلي ثم تذكرت أنها فضاءٌ تسبح فيه الكواكب والمجرات وتعبره سفن الفضاء التي صنعها العقل المتفكر لاكتشاف العوالم البعيدة!!