في قاموس البهلوية كل شيئ وارد وأصيل من أجل السلطة حتى لو كان ذلك على حساب أبسط القيم التي من المفترض أن يتحلى بها الإنسان النبيل، وقد تراود المرء السوي بعض الأحيان رغبات ملحة في عمل ما لكنه سرعان ما يردع النفس بشأنها ويتراجع عنها.. تُرا ما الذي يمنعه ويحول بينه وبين فعلها؟ إنه الحياء ومنطق العقل الرشيد. وعندما يأتي الروس والإنكليز بـ رجلهما رضا بهلوي الجد الذي كان ضابطاً تحت إمرة الجيش الروسي ويضعانه على عرش ليس له لن يشعر بالتأكيد بأهميته والمسؤولية تجاهه وهذا ما حدث بالفعل وهكذا كان ابنه.. أما الحفيد فينتظر ويتأمل ويسعى أن يحدث معه ما حدث مع جده عندما أولوه عرشاً ليس له، وحكما غير شرعي لا يستند إلى رغبةً وقبولاً شعبيين، والمشكلة هنا متشعبة ومعقدة من جهة، ومن جهة أخرى فإن ما يأمله ويترقبه حفيد رضا بهلوي ويعدونه به لا يعدو كونه وهماً؛ فلا يعني وضع جده سلطاناً باغياً خارجاً على مُلكٍ كان للقاجاريين أن ذلك عقد بيع وشراء بشأن ضيعة لا أهل لها ممن لا يملك إلى من لا يستحق، ولو راجع حفيد رضا بهلوي نفسه قليلاً في حالة صحوة بعيداً عن أولئك الذين يلهون بعقله ووضع أحلامه وأوهامه وجده وأبيه أمامه على طاولةٍ منفرداً بذاته لوجد أنه ليس أميراً على الإطلاق وأن جده لم يكن شاه إيران وكذلك لم يكن أبوه، ويجد أن ما حدث بشأن السلطة في إيران كان وليد الصدفة والحاجة الدولية في حينها بالإضافة إلى تطلعات بريطانيا العظمى الإستعمارية في ذلك الوقت، وبقليل من الرشد في التفكير سيجد أن إيران للإيرانيين وأنه هو مجرد مواطن إيراني يدين بعدة مليارات من الدولارات من المال العام لشعبه وعليه أن يفكر في إعادتها وإدانة حقبتي أبيه وجده.. وأبيه قبل جده وأن يجلد ذاته ويعتذر بعدها يعود إلى إيران ويعيد المال العام إلى الشعب ويبدأ بالدخول في مرحلة المواطنة الصالحة ليصبح أو لا يصبح رقماً سياسياً في معادلة الجمهورية الإيرانية الجديدة برغبة جماهيرية! فهل يستطيع فعل ذلك بعيداً عن فكر وحاشية ومحيط السوء من المجرمين والسفهاء والمنتفعين.. ذلك المحيط الذي يتنعم بأموال الشعب الإيراني، ولو أنه راجع التاريخ وما جرى ويجري لعائلته قليلا لوجد أنه غارقا في الوهم ووضعٍ كارثي قد يؤدي ويدفع به إلى الإنتحار كما دفع بغيره من قبل على حد زعمه هو شخصياً. أما التخبط والإرتهان لصفقات جانبية مع الملالي بشكل أو بآخر ومع القوى الإستعمارية الغربية ذاتها التي جاءت بجده فلن يؤدي إلى ما حدث مع جده، فلا التوقيت نفس التوقيت ولا الظروف هي نفس الظروف المحيطة آنذاك ولا الشعب هو نفس الشعب ولا توجد ضيعة اليوم للبيع في إيران ليجلس هو وزبانيته على عرشها، فالشعب هو صاحب الحق المطلق، وورثة مصدق العظيم يملأون الشوارع والميادين والسجون والمنافي ويستعمرون قلوب الأحرار في كل مكان بالعالم حتى في محيطه، وورائهم أكبر إئتلاف سياسي إيراني معارض مُنظم ومقتدر وله دماء إرتوت بها الأرض يخطو رائها وفاءاً وتعظيماً من أجل الحق الذي يعلو ولا يعلو عليه شيئ.

الغرب يريد تفتيت إيران بترسيم ابن الشاه على عرش إيران
لا تزال أحلام الوهم تراود الغرب في الإحتفاظ بإيران التي صممها على طريقته وسلمها لرضا بهلوي ومن ثم لإبنه محمد رضا ومن ثم لـ خميني بالغش والخداع، واليوم يريد ويأمل تسليمها للحفيد رضا محمد رضا بهلوي بالتنسيق مع الملالي للخروج من أزمة عنق الزجاجة التي علِق فيها نظام الملالي المحتضر الآن وخياراً من الخيارات البديلة التي يسعى هذا الغرب إلى جعلها ممكنة بالكذب والخداع والغدر، علماً بأن الغرب مُدرك كل الإدراك بعدم إمكانية ذلك وأن محاولاته لن تخطو بعيداً عن تحقيق أدنى المكاسب وهي إطالة بقاء بعير الملالي على التل ليستمروا بمشروع لعبة الدمى على المسرحين الإيراني والعالمي غير آبهين بأن تؤدي مخططاتهم هذه المعادية للشعب إلى أمرين خطيرين أولهما خروج الشعب في مواجهات مسلحة لحسم الموقف مع ملالي الشؤم وهو ما يلوح به الشعب لولا محاولات المقاومة الإيرانية المضنية من أجل عدم الوصول إلى هذه المرحلة في حين أن الغرب بنهجه سيوصل الشعب إلى هذه المرحلة، والأمر الثاني هو تفتيت إيران في حال تم فرض أي نمط سياسي عدائي على الشعب الإيراني (ورثة الزعيم مصدق العظيم) الذي يسعى إلى الحفاظ على دولته واحدة موحدة وتحت ظل سلطة وطنية عادلة.

رسالة إلى الشعب الإيراني ومن يهمه الأمر
تخيلوا أن يكون أبن الشاه المخلوع أميراً، وتخيلوا أيضاً أن يصبح من هو مثله شاهنشاه إيران، وصدقوا أنه يستطيع مع مساعديه ومن يعدونه إدارة إيران لمدة 4 أشهر!.. نعم يكون أميراً إفتراضياً على أساس أبيه وجده علماً بأن جده لم يكن أميراً لكنه فجأة أصبح شاهنشاه إيران ثم طرده منها من أتى به إلى السلطة، كذلك لم يكن أبوه أميراً ولا شاهنشاه حقيقي ودليلي أنه كلما هبت حركة ثورية ترك البلاد وهرب، وكان هو أي ابن الشاه المخلوع ممن هرب صغيراً مع أبيه وترك أبوه في منفاه في مصر كما فعلها أبوه عندما ترك جده بمنفاه في جنوب أفريقيا، وبالتالي لم يكونوا جميعا لصيقين بتراب وتراث وتاريخ وطن، وإنما كانوا لصيقين بمنافع وجاه وثروة وسلطة ونعيم المال العام على حساب فقراء إيران واضطراب المنطقة، ولا يمكن لمن لا وجود له أي لا وطن ولا تراث ولا تاريخ له ينتمي إليه أن يكون أميراً..، ومن هنا لا أنصحكم بأن تصدقوا أن الشعب الإيراني بكافة مكوناته سيقبل بوجود خليفة للطغيان والعنصرية والدكتاتورية واللصوصية وعودة السافاك علنيا مرة أخرى وأقصد بـ علنيا أن السافاك موجوداً تحت عباءة وزارة مخابرات الملالي من خلال موروث السافاك المتبقي من فلول الشاه قادة ومنهجاً ومدرسةً وشراكةً في السلطة ويحتاج هذا الموضوع مقالاً منفرداً بهذا الخصوص، كما لا أنصحكم بأن تتخيلوا بأن الغرب يستطيع ترسيم ابن الشاه على سدة حكم إيران كما فعلوا مع أبيه وجده ذلك لأن من يمارس العنصرية في منفاه على نهج أبيه وجده لا يمكن قبوله في إيران التي لم يعد لدى شعبها طاقة لتحمل هكذا مشاريع إجرامية، وكذلك لأن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، ويريد الشعب الإيراني جمهورية ديمقراطية حقيقية وغير نووية تقيم العدالة وسلطة القانون وتعترف بمبدأ الحريات العامة وتطبقها، وتحترم حقوق المرأة وتلبيها وفق مبدأ المساواة العادلة وحرية الإختيار واحترام القيم والأعراف والعقائد، وتعيد لأصحاب الحقوق حقوقهم، وتبني علاقات جوار على أساس الإحترام المتبادل بين الدول.. ولا أعتقد أن من لا يدين تاريخ أبيه وجده ولا زال يطعن بثورة فبراير 1979 المجيدة يستطيع أن يقيم في هذه الجمهورية التي يطمح إليها الشعب الإيراني، وكذلك لا أنصحكم بأن تصدقوا بأن إيران ستبقى إيران لو جاء الغرب بمعجزة وأجلس ابن الشاه كمجرد صورة على كرسي، ولو حدث ذلك فما عليكم إلا أن تنتظروا مصيراً أكثر ظلاميةً لإيران والمنطقة مع تلك المخططات العبثية للملالي والغرب.

وهنا ووفق هذه المعطيات يجب على المرء أن يتساءل ماذا يفعل الغرب بهذه الأفلام الكارتونية الهزيلة.. هل يريد حقاً إعادة ابن الشاه إلى حكم الضيعة المنهوبة أم أنه يريد إطالة أمد عمر الملالي بتوفير أسباب الخلاص من الثورة الوطنية الجارية في إيران كما يحدث الآن عندما استثمر الملالي زيارة ابن الشاه إلى فلسطين المحتلة وتوفر لديهم الدليل المصطنع بعدم شرعية الثورة واتهامها والثوار بالتبعية لدول وكيانات أجنبية معادية للملالي في حين أنها ليست معادية للملالي بل حليفة ومتآمرة مع الملالي ضد شعوبها والشعب الإيراني وشعوب المنطقة.

يبدو لي أن الوهن والشيخوخة قد بلغت مبلغها حتى من العقل في القارة العجوز.، أما الحل فلا يملكه سوى الشعب الإيراني ومقاومته، ولا يذيب الحديد إلا النار المؤجلة، والسيف في غمده صورة من صور التراث، وإن خرج تغيرت الآية وأصبح سلاحاً يحدد المصائر ويصون الكرامة ويردع المجرمين واللصوص والمعتدين والمتخاذلين.. أما نحن كعرب فنقول لا يُلدغ المرء من جحر مرتين، وقد لُدِغنا كثيراً وكفى.